كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
عامان على تفجير بيروت. الإنفجار قد يحدث عفواً أما التفجير فمقصود. بيروت فُجّرت. مئة مبنى هُدمت كلياً. 300 مسكن تراثي تضررت. ومنازل رُممت – في الشكل لا في الأساس- ومنازل، كثيرة كثيرة، ينتظر “مسؤولونا” أن تسقط على رؤوس من فيها! بيروت – ستّ الدنيا- أشبه بقنبلة نووية بعد عامين على تفجير أشبه بالنووي والبيارتة، ما تبقى من بيارتة، مشروع ضحايا جدد.
الترميم الصعب
هل تتذكرون يوم سرح السماسرة وراحوا يسألون من لم يمسحوا بعد الدماء عن أثوابهم: هل تريدون بيع البيوت؟ البيوت، كما الأوطان، وجود. بعضهم باع وبعضهم لا. ومن لم يبع هو يعيش اليوم في عقارات “مخلخلة” في خطر. فالدولة غير آبهة. لا تهتم. وبلدية بيروت عاجزة . وأصحاب البيوت أنفسهم عاجزون. فكيف لصاحب ملك مؤجر، يتقاضى أقل من مليوني ليرة سنوياً عن ملكه ان يرمم بالدولار الطازج “الفريش”؟ وفي بيروت وحدها، بحسب رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات أنديرا الزهيري، 13,158 وحدة مؤجرة سكنية قديمة. وفي لبنان كله 64,926 وحدة سكنية قديمة مؤجرة. لا، لا نفتح ملف الإيجارات القديمة اليوم لكننا نسأل الدولة ومن فيها: هل تهتمين لبيوت مخلعة، بفعل تفجير بيروت، وبمن فيها؟ لا، لن ننتظر جواباً من دولة في كوما ستقول يوم تسقط البيوت على أهلها: ما كنت أعرف!
في كل حال، لمن يهمه الأمر، 85,744 وحدة تضررت كلياً او جزئياً في بيروت بعد تفجير المرفأ، تقع تحديداً في الأشرفية والرميل والجعيتاوي والشحروري والصيفي والمدور والمرفأ بينها 60,818 سكنية و20,171 مؤسسة تربوية وشركات ومستشفيات ومطاعم… وبينها ايضا 1173 مبنى تراثياً.
وتقول الزهيري الناشطة الحقوقية الإجتماعية التي تعنى بسلامة المباني: “شركات عقارية كثيرة جرّبت ان تستغلّ بيروت والمناطق التي تضررت في بيروت، خصوصا ان غالبية تلك المساحة، تتشكل من مالكين قدامى وجدوا أنفسهم عاجزين أكثر من أي يوم آخر عن ترميم مبانيهم وبيوتهم. وهبّت تلك الشركات العقارية لتقديم “نجدة”، فيها مصالح بحت شخصية، وشراء العقارات بمبالغ زهيدة من أناسٍ باتوا يقبلون بأي شيء، بكل شيء، قد يُخرجهم من عاصمة مخطوفة. فدخلت المدينة بمرحلة هي اليوم بين الركود الشديد والنمو البطيء، الميسور فيها قادر ان يشتري بالملاليم والفقير، الموجوع، فيها يبيع بالملاليم. هي عاصمة تحيا بأوكسيجين إصطناعي. إنها في كوما. إنها في نوم عميق كما الأميرة النائمة في القصص والروايات”.
قنابل موقوتة
في هذا المستنقع القبيح يبرز سؤال: ماذا عن سلامة كثير من المباني البيروتية اليوم؟ تجيب الزهيري: “ستلاحظون في المدى القريب والمتوسط إرتفاعاً في عدد القنابل الموقوتة في العاصمة، التي كان عدد الآيل منها للسقوط، قبل الرابع من آب 2020 اكثر من 1046 مبنى. بعد حصول التفجير، وبحسب مسح جزئي، تبين وجود 86 الف وحدة سكنية وغير سكنية متضررة. وكلنا يعلم غلاء المواد الأولية اللازمة للتدعيم والترميم، ما دفع كثيرين الى استخدام مواد لذلك منتهية الصلاحية، في ظلِّ إستنزاف غالبية المساعدات التي وصلت لذلك بطرق ملتوية. فالمسح الذي جرى جزئي وعمر الباطون خمسون عاماً وسنوياً يفقد خمسة في المئة من جودته، فكيف إذا كانت هناك مبان قديمة جدا، عانت من ظروف الحرب و”خلخلها” تفجير هائل. هذا كله في ظروف إقتصادية ومالية صعبة جداً اليوم وكلفة باهظة جداً جداً للمواد الأولية”.
لا إحصاءات دقيقة اليوم، أو حتى تقريبية، عن عدد البيوعات التي جرت في بيروت. “لكن الوضع العام، بحسب الزهيري، يعطي تصوّراً ان النسبة قد تكون عالية. فابن العاصمة يحتاج ان يبيع ليعيش او ليسافر ويقضي ما تبقى من العمر بأمان او ليحصل على بعض السيولة، على بعض الفتات، ويعيش. الحاجة دفعت المواطنين الى البيع بعشوائية في ظل وجود من سارعوا الى استغلالهم بطريقة إحتيالية في غياب الرقابة والتوعية واستحالة الصمود”.