احدى اهم الاشكاليات التي تحكُم مسار المفاوضات حول الحدود البحرية وملف استخراج الغاز من المياه الاقليمية اللبنانية هي مواقف “حزب الله” وتوجّهاته في هذا الشأن. ولعلّ الإجابة على السؤال المطروح حول مصلحة “الحزب” الحقيقية من ذلك تفي بالغرض.
يبدو أن هذه الاجابة تخضع للعديد من الاعتبارات، ولكن لكي يبدو السؤال اكثر تحديدا وجب أن يُطرح على الشكل التالي: هل لدى “حزب الله” مصلحة بخوض حرب مع اسرائيل في هذه المرحلة؟ لا يمكن الاجابة على هذا السؤال بشكل واضح ومباشر، بل يجب الدخول في عملية فهم دقيقة للواقع الاقليمي والدولي ووضعية “الحزب” داخله لمعرفة طبيعة مصالحه العميقة.
لا شكّ بأن المرحلة الآنية تشكّل لـ “حزب الله” في حربه على اسرائيل فرصة ثمينة ينتظرها منذ زمن، والتوقيت اليوم يبدو له مناسباً جداً ذلك لأنه يأتي على طبق التباينات الحاصلة داخل المجتمع الاسرائيلي وفي ظلّ تشتّت الكيان بفعل عمليات المقاومة الفلسطينية وتحديداً في الضفة، وتراكم قوة الفصائل الفلسطينية في غزة.
من جهة اخرى، فإن الظروف الدولية والاقليمية تبدو مؤاتية أيضاً، لا سيما في ظلّ انشغال الولايات المتحدة الاميركية بأكثر من ملفّ استراتيجي، من بينها الحرب الروسية – الاوكرانية والتوتر المتزايد بين واشنطن وبيكين. لذلك فإن الواقع الحالي يعزّز قدرة “الحزب” على استغلاله والمساهمة في تراجع النفوذ الاميركي في الشرق الاوسط.
داخلياً، وبعيداً عن فكرة تأييد الحرب بمعناها المطلق، فإن لدى “حزب الله” اليوم شرعية أكثر من أي وقت مضى في مسألة مقاومة اسرائيل. وبمعزل عن الخلافات الحاصلة مع بعض القوى السياسية الا أن واقع الامور يُعطي للحزب نوعاً من الشرعية لأنه يدافع عن ثروة لبنانية ستطال في حال عدم التوصل الى اتفاق منصف بحق لبنان مستقبل اللبنانيين جميعاً بدون استثناء، الامر الذي يؤمّن للحزب شرعية في هذه المعركة أكبر من أي عنوان آخر مع اسرائيل تكون أسبابه تعني “الحزب” وحده بشكل مباشر.
كل هذه الامور تجعل من الحرب في هذه المرحلة مصلحة لـ “حزب الله”، لكنه في الوقت نفسه لا يجد ان الاستعجال لخوضها امراً ملحاً إذ إن الرؤية التي ألمح اليها أمينه العام السيد حسن نصر الله مراراً وتكراراً تقول بأن تراجع حلفاء تل أبيب الدوليين سيزداد مع مرور الوقت، وبالتالي فإن تحسّن واقع “حزب الله” وقدرته العسكرية سيتضاعف في حين أن قدرة اسرائيل لن تكون حتماً بنسبة متوازية.
اضف الى ذلك تردّي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تضرب طوقاً على اعناق اللبنانيين ومن بينهم بيئة “حزب الله”، ما يجعل “الحزب” يتردد في جعل الحرب امراً محسوماً بالنسبة اليه، لأن المجتمع اللبناني لا يبدو قادراً على تحمّل تبعاتها رغم الفوائد التي يرى “الحزب” أن لبنان سيحصل عليها من نفط وغاز وغيرها في حال نشوب معركة جدية مع العدو.
لكن في مجمل الاحوال، فإن “الحزب” لا يبدو متحمّساً لإطلاق شرارة الحرب بالمعنى المطلق، انما يطرح معادلة لا تراجع فيها، وفي حال حصول تسوية فإنه لن يبحث عن الحرب ليفرضها بطرق مختلفة.