لم تسر التطورات السياسية المتلاحقة التي تلت الانتخابات النيابية الاخيرة كما تشتهي “القوات اللبنانية”، اذ ان تقدم “القوات” الكبير على المستوى الشعبي وفي عدد النواب الممثلين والفائزين لم يكن وحده كافيا لنقل معراب الى صلب العمل السياسي وتحويلها الى قوة لا يمكن تخطيها في العمل العام. ويبدو ان معراب تتعرض في الاسابيع الاخيرة لضربات سياسية يجب عليها استيعابها بسرعة.
حققت “القوات اللبنانية” بعض اهدافها في الانتخابات النيابية الاخيرة اذ تقدمت وباتت الحزب المسيحي الاول وتمتلك كتلة نيابية كبيرة وقد تكون الاكبر في المجلس النيابي، وهذا بحد ذاته انجاز سياسي كبير يمكن الاستفادة منها داخل السلطة وفي المعارك السياسية الحاصلة والتي تشكل القوات احدى ركائزها.
لكن معراب تلقت في الاسابيع الماضية عدة ضربات سياسية، اولها مسألة الكتلة النيابية الكبيرة نسبيا لنواب “تيار المستقبل” والتي يصعب على “القوات” التعامل او عقد اي تحالف سياسي معها ما يعني ان هذه الكتلة السنيّة تضاف اليها كتلة حلفاء “حزب الله” ستجعل من القوات فاقدة للعمق السياسي داخل البيئة السنيّة.
خسارة القوات للسنّة الذين كانوا، بحسب طموح معراب، هدفا جديا للاستقطاب، لم تكن الخسارة الوحيدة، فمنذ بدء الحملة الانتخابية ظهر للرأي العام عدم قدرة “القوات” على التحالف مع المجتمع المدني وهذا ما تعمق بعد النتيجة اذ حاولت “القوات” الحصول على دعم اصوات “نواب التغيير” الا ان الامر لم يحصل، اذ تمايز هؤلاء النواب عن “القوات” بشكل شبه كامل.
تمايز هؤلاء بقي محمولا الى حين عقد قبل ايام اجتماع في مجلس النواب جمع نواب الكتائب اللبنانية والنواب المستقلين وعددا لا بأس به من نواب التغيير، وهذا يعني ان تكتلا مسيحيا ووطنيا يولد في مواجهة “القوات” (واحزاب اخرى) ويتحالف مع الكتائب وشخصيات مسيحية بارزة، كما ان هذا التكتل ضم بعض الشخصيات السنيّة التي من المفترض ان تكون على تحالف لصيق مع “القوات” كالنائب اشرف ريفي مثلا.
كل ذلك في كفة وانعطافة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في كفة اخرى،خصوصا انه الحليف الاسياسي الاقوى للقوّات وكان قادرا بشكل جيد على تأمين حاضنة وطنية لها، لكنه قرر الابتعاد بإتجاه ألد خصوم معراب وهذا ما قد يؤثر على علاقة الطرفين بالرغم من ان “القوات” تحاول بشكل جدي احتواء الحراك الجنبلاطي وعدم الدخول في اي هجوم ضده.
من وجهة نظر “القوات” فإن التحالفات التكتية يمكن ان تتغير وتديرها المصالح الآنية، لكن واقع معراب في السياسة ليس سيئاً خصوصا ان معظم قوى التغيير والمستقلين هم من القوى السيادية التي تتوافق مع “القوات” في الغالبية العظمى من القضايا الكبرى وحتى جنبلاط فإن تقاربه مع حزب الله لا يخرجه من الخط السيادي. وعليه فإن الايحاء بأن “القوات” تتجه نحو العزلة الوطنية غير صحيح، لا بل ان الواقع يظهر عكس ذلك.