كتبت نسرين مرعب لـ “هنا لبنان”:“ يا رب رجعهم سالمين”، بهذه الكلمات ما زالت ابنة عمي تمنّي النفس بأنّ شقيقتيها وأولادهن الثلاثة على قيد الحياة.
هم الذين خطفهم زورق الموت في طرابلس في نيسان الماضي.
وما يعزّز بصيص الأمل الخافت لديها، غياب الجثث، فابنتا عمي اللتان ركبتا زورق الموت في تلك الليلة المشؤومة قررتا أن تستقرا في أعماق البحر، وكأنّ جسديهما رفضا الخروج والعودة إلى وطن هربتا منه بحراً في زورق غير آمن، فأعادتا الأطفال إلى رحمهما واستسلمتا للغفوة الأخيرة!
ابنة عمي الثالثة، أي شقيقتهما، لا تتخيل حتى اللحظة فكرة الموت.
دائماً ما تبحث عن أمل، وتطرح تساؤلات تعلّقها بأنّ توأمي روحها على قيد الحياة، فتسال أحياناً: ماذا لو عبر في تلك الليلة زورق ثانٍ وأخذهما؟ وتسأل في أحيانٍ أخرى، ماذا لو كانا على جزيرة!
ماذا؟ وماذا؟ تساؤلات قاتلة، ساهمت فيها دولة تقاعست في إخراج أجساد أبنائها تاركة إياهم رهينة بحر غدر هو الآخر بمآسيهم!
غير أنّ فصول المأساة تتجدّد اليوم مجدداً، فبعد 4 أشهر على الفاجعة، وصلت الغواصة التي أعلن عنها سابقاً، على أن تبدأ عملها في الساعات المقبلة.
وصول الغواصة لم يعد يحمل الزخم نفسه ولا الحماسة السابقة، بل أصبح العديد من المحيطين من أهالي الضحايا يفكّرون بطريقة مختلفة، إذ منطقياً ستخرج الغواصة خالية الفواض، فمن الاستحالة أن تصمد أيّ جثة في عمق البحر ووسط المياه المالحة طيلة هذا الزمن!
ووصولها بعد هذه المدة، لن يخفّف من آلام الأهالي، بل سيزيدها، وسيُفتح الجرح مجدداً عندما تنهي الغواصة أعمالها دون أيّ نتيجة، بل وأكثر سيعزز فشلها في إيجاد أيّ جثمان الشكّ القاتل في نفوس البعض، بأنّ أبناءهم على قيد الحياة وهم في مكان ما، فتسقط فرضية الموت لصالح مصطلح “مفقودين” وهو المصطلح الأكثر ثقلاً على أصحاب الفاجعة.
فشل الغواصة، وعدم العثور على أيّ جثة، هو الألم الحقيقي لعائلات تعايشت وفكرة الموت، وبدأت تتقبل شيئاً فشيئاً رحيل أولادها!
ويبقى السؤال: ماذا سأقول لابنة عمي عندما تصل الغواصة إلى المركب وتخرج دون شقيقتيها، كيف سأقنعها أنّ الجثث تحللت؟ كيف ستصدق أنّهما اليوم في السماء، وكيف سأخرج من رأسها الشكوك التي أقرأها يومياً عبر “حالاتها” الواتسآبية؟!