ذكرّنا نائب البترون جبران باسيل في حديثه الصحافي أمس بأكثر من مثل يمكن أن ينطبق على وضعيته الحالية. فالرجل مأزوم، لأن أبواب الرئاسة الأولى التي حلم بها طيلة ست سنوات أُقفلت في وجهه كليًا. وضع تياره ليس على ما يُرام. يُحارب سياسيًا من الجميع تقريبًا حتى من أقرب المقرّبين إليه. إنه في وضع حرج لا يُحسد عليه.
ومتى عُرف السبب بَطُل العجب. من هذا المنطلق يمكن فهم كل هذا التخبّط للسيد باسيل. فهو وجد نفسه، بين ليلة وضحاها، متروكًا وحيدًا. مَن كانوا معه في عزّ عهده بدأوا يفكرونّ جدّيًا في أن يتركوه، إعتقادًا منهم بأنه يوم كان فوق “لم يطلع” منه شيء فكم بالحري يوم أصبح تحت. من لا يزال يسير معه هم الذين إستفادوا منه بمنافع محصورة بمن لا يثق إلاّ بهم، فأكلوا “البيضة والتقشيرة”. وهذا ما إنعكس تململًا في صفوف “التيار الوطني الحر”، الذين إعتبروا أن المقربين من جبران هم بسمنة فيما الآخرون بزيت، وهم من مؤسي “التيار”.
الذين قرأوا “الحديث الباسيلي” إستنتجوا ما يلي:
أولًا، كشف السيد باسيل بما لم يعد يقبل الشك عداوته المطلقة لشخص الرئيس نجيب ميقاتي. وحاول من خلال حديثه تزوير الحقائق، وهو بذلك أستاذ. قال إنه مقتنع بأن الرئيس ميقاتي لا يريد من الأساس تشكيل حكومة، ولذلك تصّرف بطريقة يعرف أنها لا تقود الى تأليف حكومة، وكان يعرف سلفًا أن الرئيس عون سيرفض التشكيلة التي قدمها إليه. ويرى باسيل أن ميقاتي عاد الى التحّرك على خط تشكيل الحكومة بعدما فهم هو ومن يدعمه أن حكومته الحالية لن تحكم، وأن “مشكلًا كبيرا” سيحصل في البلد، لأن الرئيس عون لن يقبل بأي شكل من الأشكال أن تأخذ حكومة تصريف أعمال غير مكتملة الصلاحيات مكان رئيس الجمهورية مكتمل الصلاحيات.
على هذه النقطة تردّ مصادر سياسية واكبت المساعي التي قام بها بها الرئيس ميقاتي بعد ساعات من إنتهاء الإستشارات النيابية غير الملزمة، وذلك تحسّسًا منه بأن الوقت ضيق ولا يحتمل المزيد من “الدلع السياسي” أو المناورات، التي كانت متوقعة من السيد باسيل، وهو الذي سرّب التشكيلة الوزراية وفيها الملاحظات الأولية للرئيس عون بخط يده.
أمّا في ما يتعلق بموضوع صلاحيات حكومة تصريف الإعمال وإمكان تسّلمها صلاحيات رئيس الجمهورية في حال إستحالة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية فإن مساعي الرئيس ميقاتي لم تتوقف يومًا لتشكيل حكومة جديدة كاملة المواصفات وحائزة على ثقة مجلس النواب، في حين أنه لم تخطر على باله لو للحظة واحدة أن باسيل يمكن أن يذهب إلى حدّ الحؤول دون إنتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 31 تشرين الأول المقبل. فالأولوية بالنسبة إلى الرئيس ميقاتي كانت الحرص على تشكيل حكومة في أسرع وقت لإستكمال ما بدأت به حكومته السابقة من مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لأنه كان يعتبر أن إنتخاب رئيس للجمهورية هو من البديهيات، لأن من جرّب الفراغ يعرف ما هي تكلفة هذا الفراغ على كل المستويات حتى ولو أن صلاحيات الرئيس تُناط بحكومة كاملة الصلاحيات والمواصفات. لا شيء يعلو على أولوية تشكيل حكومة أولًا، وعلى إنتخاب رئيس للبلاد ثانيًا، وذلك لما يرمز إليه موقع الرئاسة الأولى في لبنان.
ثانيًا، يرى السيد باسيل أن الحكومة التي يجب أن تشكل بعد الإنتخابات النيابية يجب أن تكون حكومة سياسية، خصوصا إذا كانت ستحل ّ محل رئيس الجمهورية.
فهذا “الإفتراض الباسيلي” يعيد البلاد إلى المربع الأول، بمعنى أن التوافق على حكومة سياسية في هذا الوقت الضيّق بالذات يُعتبر نوعًا من أنواع الإنتحار المجاني، لأن باسيل وغيره يعرفون جيدًا إستحالة الإتفاق على حكومة سياسية كاملة المواصفات عشية الإستعدادات القائمة لتوفير المناخات المطلوبة لإنتخاب رئيس للجمهورية.
يُستنتج من حديثه أن باسيل الذي يحصر إحتمالات الشهرين المقبلين بـ”حكومة وفق شروطه ومواصفاته”، أو رئيس متوافق عليه معه، لا يضيره ولا يقلقه الذهاب الى الفراغ الرئاسي الذي يبقى نافذة حظوظه للرئاسة مفتوحة، وهو الذي ألمح الى ذلك في حديثه قائلًا: “ما جرى خلال هذا العهد يؤكد ضرورة وجود رئيس قوي يكمّل عمل ميشال عون من دون أن يكون مقيّدا بخطوط حمر”.
الخلاصة أن السيد باسيل” دونكيشوت الجمهورية” ماض في محاربة” طواحين الهواء” ويريد أن يفهمنا بصريح العبارة الآتي: إمّا أن يكون هو الرئيس الخلف وإمّا الفوضى.
هل تتذكرّون؟