في ظل الهدوء على الساحة السياسية حيث لا بوادر ايجابية ولا مستجدات على صعيد الاستحقاقين الحكومي والرئاسي سوى الدعوة التي وجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة ثانية لانتخاب رئيس جمهورية في 13 تشرين الأول الجاري، بما يعنيه هذا التاريخ في روزنامة رئيس الجمهورية ميشال عون، خرق جدار صوت اسرائيلي من العيار الثقيل الأجواء اللبنانية باعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد رفضه المراجعات اللبنانية على مقترح ترسيم الحدود البحرية، قائلاً: “سنوقف مفاوضات الحدود البحرية إذا استهدف حزب الله حقل كاريش. لن نتنازل عن مصالحنا الأمنية والاقتصادية حتى لو كان ذلك يعني أنه لن يكون هناك اتفاق قريباً، وسنستخرج الغاز من كاريش في أقرب وقت ممكن”.
فيما أصدر وزير الدفاع الاسرائيلي بني غانتس تعليمات الى الجيش بالاستعداد لتصعيد أمني على الحدود مع لبنان. انها مواقف دراماتيكية لم تكن في الحسبان، اذ أن المنظومة والمعنيين بملف الترسيم البحري لم تكتمل فرحتهم لأن الانتكاسة الترسيمية ليست بسيطة اذا كان لابيد جاد في تصريحه ولا يأتي في اطار حملته الانتخابية، مع العلم أن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب أكد أنّه على اتصال مع الوسيط الأميركي آموس هوكتشاين كل ساعة لحلّ المشكلات العالقة في اتفاق الحدود البحرية مع إسرائيل، ولفت الى إنجاز 90٪ من الاتفاق، لكن نسبة 10٪ المتبقية هي الحاسمة. أما المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فاعتبر أنه “لا يعنينا الرد الاسرائيلي وننتظر من الوسيط الأميركي تحمل مسؤوليته”.
وفي هذا الاطار، أشار أحد الخبراء العسكريين الى “أننا لا نعرف ما هي الملاحظات اللبنانية على المقترح الأخير لترسيم الحدود البحرية، لكن كل ما نعرفه أن المسؤولين المعنيين ينقلون الأجواء الايجابية والتفاؤلية. على أي حال، الاسرائيلي على بعد أيام معدودة من الانتخابات، ومع ضغط المعارضة اليمينية الذي يشتد ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد وفريقه السياسي في موضوع الترسيم مع لبنان يمكن أن يجد الأخير في الملاحظات اللبنانية مهما كانت ثانوية، مخرجاً لتأجيل الترسيم الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية.
لكن الغريب أن لبنان هو المستعجل على التوقيع، أولاً، لأنه يريد أن يسجل للرئيس ميشال عون أنه حقق الترسيم في عهده، والأميركي بالسرعة التي يعمل فيها على الملف يساعد في ذلك. واذا لم يحصل التوقيع، فسيخرج الرئيس من القصر الجمهوري من دون أن يحقق أي انجاز أو انتصار في عهده.
ثانياً، لأن الفريق السياسي كاملاً يعلم أنه تأخر كثيراً في استخراج النفط الذي هو مصدر تمويل جديد، وتعقد الآمال على أن تكون مداخيله كبيرة جداً في وقت جفّت كل مصادر الهدر والسرقة والفساد التي كان يتغذى منها الطاقم السياسي.
لذلك، يستعجلون في الاستثمار البحري وهم لا يزالون في السلطة ليستكملوا هدرهم وسرقتهم للثروات.
مع التأكيد أنه لا خوف أو خطر على وقف مفاوضات الترسيم لأن الاميركي جدي ومستمر في مبادرته الى حين الوصول الى الترسيم النهائي لأنه يستعجل الاستخراج نظراً الى الحاجة الأوروبية”.
أما أحد النواب السابقين فاعتبر أنه “في المشهد العام، يمكن اعتبار عدم الموافقة على الملاحظات اللبنانية بمثابة اعلان الحرب، لكن اليوم ما من طرف يريد حرباً. وبما أن اسرائيل على مسافة أيام من انتخاباتها يمكن تفسير التصعيد في هذا السياق، وربما هناك من يريد أخذ المنطقة ولبنان في اتجاه المواجهة.
هذا الرفض الاسرائيلي يجب أن يكون موضع متابعة، ولا يجوز أن نتسرع في القول ان ملف الترسيم قد أغلق وان المفاوضات وصلت الى الحائط المسدود، واننا سننتقل الى مرحلة الحرب.
علينا التروي في هذه المرحلة لأن عدم استكمال التفاوض يعني دخول لبنان واسرائيل في حالة من التوتر. فلننتظر ونرى الى أين ستصل الوساطة الأميركية، وما هو تفسير وموقف الجانب الأميركي من هذا الرفض.
وهنا لا بد من أن نسأل: من منا يعرف مضمون المسودة والتعديلات اللبنانية عليها، وما هي البنود التي رفضها الجانب الاسرائيلي؟ هناك 128 نائباً في المجلس النيابي، لم تطلع على الملف الا القلة القليلة منهم أي صقور المنظومة، ولا أحد سواهم يعرف ماذا يحصل على هذا الصعيد، وبالتالي، لا يمكن الحكم على الرفض لأننا نتكهن تكهنات.
وكأن ملف الترسيم يحذو حذو الملف الرئاسي بحيث أن الاتكال فيه على الخارج. هذا يطبق عليه ما يقوله المسيحيون الموارنة: يا شربل صلّي عنا. ونحن حتى لا طاقة لنا على الصلاة، ونريد من يصلي عنا”.
ووصف أحد الخبراء اما يحصل بأنها “لعبة العصفورين بحجر واحد: رسالة الى الداخل الاسرائيلي وأخرى الى لبنان. الأولى، مفادها أن المصلحة الاسرائيلية فوق كل اعتبار على أبواب الانتخابات.
والثانية، نوع من استراتيجية في التفاوض لارسال رسالة الى الطرف الآخر أن هناك انتقاصاً في الحقوق مع العلم أن اسرائيل حصلت على أكثر من 95 في المئة من حقوقها”.
وعلى جبهة الترسيم الرئاسي، يعتبر كثيرون أن رئيس جمهورية لبنان هو نتاج التطورات الاقليمية والدولية، بمعنى آخر نتاج التسويات والتفاهمات الكبرى خصوصاً في ظل ما يحصل اليوم على صعيد المنطقة من مفاوضات ونقاشات، اضافة الى الاضطرابات الداخلية في عدد من البلدان ومنها ايران والعراق التي تنعكس اما سلباً أو ايجاباً على انتخاب رئيس الجمهورية، فيما يقلل آخرون من تأثير الخارج على الاستحقاقات الدستورية اللبنانية على اعتبار أن الدول العظمى لديها مصالحها وصفقاتها، وتضغط في قضايا استراتيجية أهم بالنسبة اليها، ما يعني أن سبب العرقلة في انتخاب الرئيس هو الخلاف السياسي الداخلي بصورة أساسية.
في هذا الوقت، يتحدث البعض عن التحضير لطاولة حوار بين اللبنانيين بعد 31 تشرين الأول بمبادرة سويسرية، الا أن المحللين يقللون من أهمية هذه المبادرة التي لا يمكن التعويل عليها لأن ليس مثل هذه المبادرات التي تقرر الحل من عدمه، وليست هي التي تقرر المسار ومصير الاستحقاقات.
وفي قراءة في هذا السياق، لفت أحد المحللين السياسيين الى أن ليس هناك من أكثرية حاسمة قادرة على ايصال رئيس للجمهورية، ولا بد من حد أدنى من التوافق.
لا شك في أن ما يتحكم بخيارات “حزب الله” خصوصاً في ما يتعلق بالاستحقاقات الكبرى كانتخاب رئيس الجمهورية، حسابات متعددة، ومنها الحسابات الاقليمية.
وهنا السؤال: في أي سياق تأتي التسوية الداخلية؟ هل تأتي في سياق تفاهم دولي – اقليمي، تفاهم أميركي – ايراني؟ ما نراه اليوم على الأقل في ما يتصل بملف الترسيم البحري أن هناك نوعاً من التنسيق أو التكامل الايراني – الاميركي، على الرغم من عدم اعلان ذلك، لكن من المؤكد أن الترسيم لن يحصل من دون التفاهم بين أميركا وايران.
اذا نجح الترسيم فسينعكس بشكل أو بآخر ايجاباً على موضوع رئاسة الجمهورية في لبنان بحيث تقول المنظومة الحاكمة للأميركيين والاسرائيليين: نعطيكم ما تريدون شرط بقائنا في الحكم.
وهكذا تستفيد السلطة من الترسيم لتحصيل المزيد من النفوذ والثروة، وإبعاد شبح العقوبات عن بعض السياسيين. القرار الأساس المؤثر في المعادلة اللبنانية هو القرار الايراني والأميركي والفرنسي والاسرائيلي بنسبة معينة والدور العربي والخليجي بصورة أساسية.
وهنا نسأل: في حال حصل التفاهم الايراني – اأاميركي، هل يمكن أن يؤدي ذلك الى نوع من ادارة الظهر للدور العربي؟ انها اشكالية يجب توقعها.
ما نراه اليوم حتى في الانتفاضة داخل ايران، أن الأميركيين لم يتخذوا أي اجراء جدي لدعم الشعب، وليسوا متفاعلين فعلياً مع الانتفاضة، وهذا يدل على أن هناك حاجة الى ايران والى هذا النظام، ويمكن أن نقول ان الترسيم اليوم بمثابة اختبار لما يمكن أن يكون عليه الحال في رئاسة الجمهورية.
اذا حصل التوقيع على الترسيم، نتوقع شيئاً شبيهاً في الملف الرئاسي. “حزب الله” لا يهمه شخص الرئيس انما الوضعية القائمة، وكيف يمكن الحفاظ عليها، وأن لا تكون عرضة للتهديد.
اذاً، التسوية هنا تحصل بحيث أن الشخص الذي سيصل الى سدة الرئاسة يأتي لتنفيذ اتفاق وتفاهم.
وبالتالي، الأساس هو التفاهمات الخارجية التي يمكن أن تحصل وستنعكس على الاستحقاق الرئاسي. في المقابل، لم يتبين أن هناك مشروعاً قادراً على تغيير الوضعية القائمة بشكل يمكن أن يراهن عليه ويلعب دوراً أساسياً. نحن تحت رحمة التفاهمات الكبرى، وطالما أن المنظومة غايتها الأساسية البقاء في الحكم، فلا تغيير جدياً.
الدول الكبرى تريد من لبنان الأمن وعدم الانجرار الى حرب أهلية، والهدوء على الجبهة الجنوبية.
“حزب الله” يعرف موقعه، وهو لا يريد حرباً انما الاستمرار في السلطة، ويقول للمجتمع الدولي بصورة غير مباشرة أنا أؤمن الاستقرار في البلد والهدوء على الجبهة الجنوبية، ولا يهدد مصالح المجتمع الدولي، فلماذا لا يلبّون مطالبه؟ ما يعني أن مصالح الدول الكبرى هي التي تقرر الرئيس الذي يريده الحزب علنياً، توافقياً ووسطياً لكنه يلبي مصالحه.
وطالما ليس هناك من ارادة داخلية تقلب الميزان سيبقى الوضع كما هو عليه لأن الدول تعمل على قاعدة تأمين مصالحها بغض النظر عن الجهة التي تؤمنها.
ونسمع اليوم عن دعوة القوى اللبنانية الى الحوار في احدى المدن الأوروبية، لكن لا يمكن التعويل على مثل هذه المبادرات التي تجري في اطار ملء الفراغ، ولن تصل الى نتيجة، ولن تقرر الحل من عدمه خصوصاً أن غالبية القوى تتمسك بالطائف، ولا أحد يريد تغيير النظام. بهذا المعنى هذه الحوارات ليست هي التي تقرر المسار ومصير الاستحقاقات.
وعلى ضفة التطورات الصحية والقضائية، فقد أعلنت وزارة الصحة عن تسجيل أوّل إصابة بالكوليرا في عكار. في حين صدر قرار الهيئة الاتهامية في بيروت بتخلية سبيل المدير العام للجمارك بدري ضاهر في ملف رفع منع السفر عن الأمير السعودي عبد المحسن آل سعود الملقب بـ”أمير الكبتاغون”، على اعتبار أنه قد مضى على توقيفه الاحتياطي في هذا الملف مدة تجاوزت الستة أشهر، فيما ارتسمت مجموعة من التساؤلات عن مدى ارتباط القضية بملف إخلاء سبيله في قضية تفجير مرفأ بيروت، وما اذا كان من صلة بينهما.