هل الترسيم شكلٌ من أشكال التطبيع المقنّع؟!

29 أكتوبر 2022
هل الترسيم شكلٌ من أشكال التطبيع المقنّع؟!

شئنا أم أبينا فإن ما حصل في 27 تشرين الأول من العام 2022 في بلدة الناقورة الجنوبية هو شكلٌ من أشكال التطبيع “المقنّع”. وحتى لا يُسأ مقصدنا نقول إنه أقل من التطبيع العادي شكلًا، ولكنه يشبه هذا التطبيع بالمضمون، ولو في شكل عرضي وملتبس وغير علني. أن يقول رئيس حكومة العدو لبيد يائيير أن إتفاق الترسيم هو إعتراف لبناني بإسرائيل ليس مجرد كلام عادي، وإن كان البعض يعتبره كلامًا إستهلاكيًا لضرورات إنتخابية.

 
هذا الموقف بحدّ ذاته هو ترجمة عملية لموقف الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي رأى في الإتفاق ما يكرّس الإستقرار في المنطقة الفاصلة بين الحدود اللبنانية مع حدود دولة فلسطين المحتلة والمغتصبة. وقد يتلاقى كل من الكلام الأميركي والإسرائيلي مع موقف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، ولو في شكل غير مباشر، حين أعلن رفع حال التعبئة العامة والإستنفار العام في صفوف العناصر الحزبية، التي كانت على جهوزيتها وسلاحها طوال الأشهر الماضية. 
 
هذا الأمر يعني بـ”العربي الدارج” أن لا حرب بعد اليوم بين إسرائيل و”حزب الله”. فلا تل أبيب مستعدّة للتفريط بغازها ونفطها “الكاريشي”، ولا لبنان (“حزب الله”) قادر بوضعيته الإقتصادية الراهنة على أن يغامر بما يمكن أن يأتيه من خيرات حقول “قانا”. وهذا يعني أيضًا أن المصالح الإقتصادية لكلا البلدين تفرض على شعبيهما، أيًّا تكن حالات الرفض فيهما كبيرة، أن يتعايشا في أمن وسلام، وأن يكون الإستقرار في المنطقة الحدودية تامّا كما هي الحال على الحدود الفاصلة بين سوريا وإسرائيل، مع بداية التفكير في تحويل مهمة قوات الطوارىء الدولية من مهمة مراقبة الخروقات الأمنية وتعدادها إلى مهمة جديدة، وهي تعزيز ثقافة السلام، وهي التي دخلت إلى لبنان تحت عنوان “قوات حفظ السلام”. 
 
وما يعزّز فرضية أن ما حصل في الناقورة كمحصلة أخيرة لمفاوضات طويلة وشاقة هو نوع من أنواع التطبيع مع العدو، ولو في شكل غير مباشر، أن “حزب الله” الذي أعلن أكثر من مرّة أنه خلف الدولة اللبنانية في ما تقرّره من خطوات في ملف الترسيم، لم يكن بعيدًا عن تفاصيل المفاوضات مع العدو الإسرائيلي بواسطة الأميركيين. وإذا لم يكن “حزب الله” بعيدًا عمّا كان يُرسم في الكواليس التفاوضية فإن طهران كانت معنية بهذه المفاوضات، ولو بطريقة غير مباشرة.  فالذين يعرفون طبيعة العلاقة التي تربط “حارة حريك” بالقيادة الإيرانية عبر مرشدها الروحي آية الله السيد علي  خامنئي، يؤكدون أن هذا الترسيم لم يكن ليرى النور لو لم تكن طهران راضية عمّا جرى ويجري في منطقة لها فيها نفوذ كبير، ولو لم يكن ذلك مؤشرًا طبيعيًا للتأثير الإيجابي على المفاوضات الأميركية – الإيرانية، على رغم إمكانية نجاح الجمهوريين في الإنتخابات الأميركية النصفية. 
 
في هذا الكلام الواقعي والجديد من نوعه يرى البعض أنه ينمّ عن مناخ “تهيوي” يُراد منه الإنتقال إلى مراحل متقدمة من حالات التطبيع، ولو بأشكال متعدّدة، ووفق ما تمليه التطورات في قطاع غزة، الأمر الذي سيفتح كوّة جديدة في طبيعة تأقلم السلطة الفلسطينية مع هذا الواقع الجديد.