يصوّر البعض أن رئيس “تيار المرده” سليمان فرنجيه ينظر إلى الاستحقاقات من بعيد من دون أن يكون له تأثير مباشر وفاعل فيها، بسبب عدم رغبته وعدم اقدامه أو بسبب حضوره النيابي الذي يراه البعض ضيّقاً على الرغم من أنه ينطلق من 20 الف صوت مارونيّ بحد أدنى، ان أردنا الدخول في لعبة الأرقام الطائفية التي ساهمت بطريقة أو بأخرى بإيصال البلاد إلى جهنمها الحالي.
ويعتقد البعض أن لا إمكانية لفرنجيه لخوض أي معركة منفرداً على الرغم من أنه، وكما أثبتت تجاربه السياسية منذ انطلاقه في العمل السياسي، لم يعتمد على اي أحد ولم يحاول استخدام أي نفوذ لمصلحته الشخصية. ففي صلب الحضور السوري في لبنان لم يحاول فرنجيه الحصول على مكتسبات نيابية أو وزارية اضافية، كما انه وفي ذروة تحالفه مع “حزب الله” لم يطلب ضم نواب مسيحيين ممن يستطيعون دخول الندوة البرلمانية عن طريق الصوت الشيعي إلى كتلته النيابية، وذلك اقتناعا منه أن حضوره الوطني ومواقفه الواضحة كفيلة بجعله مقبولاَ من قبل جميع الأفرقاء في الداخل والخارج.
وفرنجيه الذي يحسن فن الاصغاء ويقلل قدر المستطاع من الكلام ادراكاً منه أن المواطنين سئموا السجالات وكثرة الكلام وأصبح اهتمامهم يصب في البحث عن الأفعال والخطوات التي تخفف من آلامهم واوجاعهم، كانت له اطلالة سريعة في الأمس جاءت على هامش مشاركته في المؤتمر الوطني الذي عقد في قصر الأونيسكو بمناسبة الذكرى 33 لتوقيع “إتفاق الطائف” والذي دعا إليه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري.وفي إطلالته الاعلامية السريعة وعبر كلامه المقتضب أكد فرنجيه 3 نقاط أساسية، لا بد من التعمّق بها في هذه المرحلة الاستثنائية التي تمر فيها البلاد:النقطة الأولى متمثلة بقول فرنجيه أنه “جزء من الطائف” وفي هذه العبارة تأكيد على دور رئيس تيار المرده وحضوره في صياغة دستور الطائف وتأكيد على قبوله بهذا الدستور منذ ما قبل توقيعه، ادراكا منه أن معارضة “الطائف” من باب حقوق المسيحيين وصلاحيات رئيس الجمهورية لعبة شعبوية لا تؤدي إلا إلى الفوضى والخراب وهذا تماما ما اختبره اللبنانيون في السنوات الأخيرة.
وفي هذا السياق، بدت الرسالة واضحة إذ أن فرنجيه عندما يرفض اي اتفاق او خطوة يبقى خارجها مهما كلفه الثمن وهذا ما فعله مثلا عند انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، وبالتالي وبحكم التجربة يمكن القول ان فرنجيه لو أراد معارضة “الطائف” لعارضه بصورة علنية رافضاً أن يتم انتخابه رئيسا للجمهورية وفقا لقوانينه واعرافه.والنقطة الثانية متمثلة في قول رئيس “تيار المرده” أنه “لم يكن يوما خارج الطائف”، وهنا اشارة الى ان البعد العربي هو ركيزة أساسية من ركائز “المرده” ورئيسه.ففرنجيه الذي يدرك أهمية الانفتاح على الشرق والغرب وعلى مختلف دول العالم، يعلم جيداً انه لا يمكن للبنان ان يتنفس وينتعش بعيدا عن الدوران في فلكه العربي.لكن الدوران في الفلك العربي عند فرنجيه، لا يعني التبعية او التسليم ، انما يعني وبصورة اكيدة ضرورة التعاطي بايجابية وندية مع مختلف الدول العربية ما يعيد الى لبنان دوره الريادي ويجعله من جديد وجهة سياسية واقتصادية وسياحية لكل العرب.النقطة الثالثة متمثلة في قول فرنجيه “حلفائي مثلي مع الطائف”، وهنا اشارة واضحة الى “حزب الله” الذي يرى البعض انه المستفيد الاول والدافع الاول نحو تعديل الطائف او ايجاد نظلم جديد يرعى شؤون اللبنانيين على مختلف الصعد.وفي هذا الاطار، بدا فرنجيه عارفاً ومدركاً لمسار حليفه ورؤيته للواقع الداخلي، كما بدا قادراَ على محاورة حليفه الشيعي حول القضايا المصيرية والاستراتيجية المتعلقة بشكل النظام والاستراتيجية الدفاعية على سبيل المثال بعيدا عن زواريب المصالح التي اعتادتها الحياة السياسية في لبنان.وانطلاقا من النقاط المذكورة ومن الصورة التي رسخها مؤتمر الاونيسكو، يبدو ان الحديث عن رفض المملكة العربية السعودية وصول فرنجيه الى سدة الرئاسة الأولى ووضعها “فيتو” على طرح ترشيحه، بات مصطلحاً قديماّ من غير الممكن استخدامه في قاموس السباق الرئاسي اللبنانيّ.