بعدما أصبحت مواقف كل من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله من الإستحقاق الرئاسي معلنة وواضحة، فإنه يمكن القول إن الراعي هو بطريرك الموارنة المعنيين ربما أكثر من غيرهم بالإنتخابات الرئاسية، وأن السيد حسن بما يمثّل ومن يمثّل هو أحد المكونات الأساسية في البلاد، وله حيثية ميثاقية صلبة من خلال التحالف التلازمي مع الرئيس نبيه بري.
وإنطلاقًا من موقع كل من “بكركي” و”حارة حريك” في التوازنات والمعادلات الوطنية، فإن أي حديث عن تقارب بينهما، خصوصًا في هذه المرحلة الحسّاسة والدقيقة يبدو غير واقعي، إذ أن لكل منهما مقاربة رئاسية تختلف في مضمونها وجوهرها إختلافًا عميقًا وإستراتيجيًا.
فالبطريرك الراعي يريد رئيسًا سياديًا يؤمن بحياد لبنان وبعدم تبعيته لأي محور دولي أو إقليمي. وإذا أراد أن يسمي مرشحًا تنطبق عليه هذه التسميات فيذهب بفكره إلى من يشبه الرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميل مثلًا، أو الرئيسين فؤاد شهاب والياس سركيس.
أما السيد حسن فيريد رئيسًا يشبه الرئيسين ميشال عون وأميل لحود، اللذين لم يطعنا “المقاومة” في ظهرها، ولم يتآمرا عليها، ولم يبيعا أو يشتريا.
من هنا، فإن لـ”بكركي” وجهة نظر مختلفة عمّا يحاول البعض، ولغاية في نفس يعقوب، ترويجه في بعض الإعلام المعروفة توجهاته وأهدافه، عن حوار قائم بين المرجعية المارونية الروحية الأولى وبين “حزب الله”.
فـ”بكركي”، التي لا ترفض الحوار مع أي مكّون لبناني، أيًّا يكن الخلاف في وجهات النظر معه عميقة، وهذا الدور لعبته على مدى طويل، لا تقفل أبوابها في وجه أي زائر أو ضيف، قريبًا كان أم بعيدًا.
ولكن، وبسبب حساسية هذه المرحلة من عمر الوطن ودقتّها، ولئلا تُفسّر أي خطوة على غير محملها، فإن أي حوار ثنائي في هذه المرحلة لن يجدي، بل على العكس قد يؤدّي إلى نتائج عكسية، وذلك نظرًا إلى التباعد الكبير بين وجهات نظر اللبنانيين المنقسمين إلى محورين غير متفاهمين على الأسس المبدئية لإعادة بناء الدولة.
فـ”بكركي” الحريصة على الوحدة الوطنية من خلال إتفاق “الطائف” ترفض أن تلعب دور مَن يصبّ الزيت على النار، وهي تدعو جميع نواب الأمّة، إلى أي فريق إنتموا، إلى القيام بواجبهم الدستوري، وإنتخاب رئيس للجمهورية وفق ما ينصّ عليه الدستور، وألاّ يخرجوا من قاعة البرلمان إلاّ وقد تصاعد الدخان الأبيض من مدخنتها. وكل كلام غير هذا الكلام هو مضيعة للبوصلة وللوقت، الذي لم يعد اللبنانيون يملكون ترفه. فلا تواصل حاليًا بشكل مباشر بين “حزب الله” والبطريرك الراعي، ولكن هذا لا يعني أن باب الحوار مقفل، مع الإعتراف بأن ثمة رسائل ينقلها عدد من الأصدقاء المشتركين، الذين يحاولون بمبادرات فردية، ونية حسنة، “تطرية” الأجواء بين الحزب والصرح البطريركي، من دون أن يعني ذلك أن هذه الجهود الفردية ستؤدي الى إعادة التواصل الى ما كان عليه، قبل إطلاق الراعي دعوته الى الحياد ومن ثم قضية المطران موسى الحاج، وما أثارته من تباين بين بكركي وحارة حريك، وما رافقها من مواقف سياسية وإعلامية متشنجة.
وعلى رغم تأكيد “بكركي” أن الحوار الرئاسي معه في الوقت الحاضر غير مجدٍ، فإنها تدرك جيدا موقع “حزب الله” في الإستحقاق الرئاسي، كما يدرك الحزب موقع البطريركية المارونية منه. ولذلك، فإن لكل منهما موقفه، الذي لن يتغيّر بين ليلة وضحاها، وأن أي حوار في هذا الوقت الضائع قد يقود إلى نتائج غير مرجوة، مع إبداء “بكركي” تجاوبًا كاملًا مع أي حوار حول أي ملف آخر.