لم تكتمل ظروف انتخاب رئيس جديد للجمهورية رغم الحراك السياسي في بيروت والتحرك الديبلوماسي على خط واشنطن وباريس والرياض وطهران، غير ان عناصر المشهد اللبناني غير مكتملة حتى تنتج تسوية ما في ظل إنكفاء سنّي شبه تام وغياب غير متعمد.
عشية الانتخابات النيابية الأخيرة، وعقب قرار الحريري الرئيس سعد الحريري تعليق نشاطه السياسي، استشعر اكثر من طرف بالخطر الوجودي على لبنان والتنبيه من تداعيات إحباط سنّي محتمل، ولا تنفصل محاولات المملكة العرببة السعودية الاخيرة استذكار إتفاق الطائف عن الطابع الاستدراكي لدور سنّي مهمش في النقاش الرئاسي،في الداخل كما مع الخارج.
إزاء ذلك، حاول البعض استثمار الوضع السنّي من أجل الدعوة إلى قيام نظام سياسي جديد بل والذهاب إلى الدولة المدنية ، علما بأن أصحاب الطرح يرفعون شعار استرجاع حقوق المسيحيين ، لكن ما لم يدركه هؤلاء استحالة طرح ميثاق جديد بمعزل عن مكوّن ساهم في تأسيس صيغة لبنان العام ١٩٤٣، كما حسم الكيان اللبناني بصورة حاسمة بعد افول منطق “أمن المجتمع المسيحي”.
لعل عهد الرئيس ميشال عون من اسوأ العهود التي مرت علي لبنان، وبغض النظر عن مسؤولية عون عن انفجار الوضع، لكن ينبغي الإشارة إلى ان ثلث الولاية الرئاسية بقي بلا حكومة، مع استنزاف في تكليف شخصيات تشكيل الحكومة ثم الاعتذار، وهذا أمر لا يمكن التهاون مع مفاعيله لناحية ضرب الشراكة الوطنية، وهذا ما يفسر الضياع السائد بالتعاطي مع الاستحقاق الرئاسي.
وهنا برزت تثبيت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي معضلة الحفاظ على صلاحيات رئاسة الحكومة، ليس من الزاوية الطائفية، بقدر الحفاظ على السلطة التنفيذية وتأمين التوازن مع رئاسة الجمهورية والسلطة التشريعية، وإتفاق الطائف أوضح بما لا يحمل الاجتهاد والتفسير التعاطي مع الشغور الرئاسي، وهذا بيت القصيد راهنا لسجال طائفي بغيض يهدف تصوير الأمر وكأنه مصادرة لصلاحيات رئاسة الجمهورية، بينما الواقع مختلف تماما.
في فلسفة نصاب الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية، قطعٌ للطريق على اي طائفة،مهما اشتد عودها، لاختيار رئيس بمعزل عن الطوائف الأخرى، فالمناصفة في عدد النواب تؤمن التوازن العام لكن تطيح هذا المبدأ مع صوت مسيحي واحد ان اراد المسلمون اختيار رئيس مسيحي او العكس صحيح في حال استمالة المسيحيين صوت مسلم وحيد.
لذلك، من الحماقة والغباء تصور إمكانية حسم الاستحقاق الرئاسي بمعزل عن قرار السنّة وإعتبار دورهم ثانويا في اختيار رئيس الجمهورية، بمعنى تأمين توافق مسيحي من ثم المصادقة عليه مع الآخرين والسنّة من ضمنهم.
هنا يستحضر سياسي نكتة شهيرة للرئيس بري بأنه “جرى الاتفاق على تفاصيل الزواج والمهر والعريس لكن سقط سهوا سؤال العروس ان كانت موافقة”.