شكل الاجتماع بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي في بكركي أمس محطة في سلسلة من اللقاءات والاتصالات المعلنة وغير المعلنة بينهما، لا سيما منذ بدء مرحلة الشغور في سدة رئاسة الجمهورية. فقد زار ميقاتي بكركي قبل فترة، ويتواصل مع الراعي هاتفيا باستمرار، كما أمضى وعائلته قبل فترة يوما في ضيافة الراعي في الديمان، جارة بلدة حصرون التي كانت مقصدا صيفيا للكثير من أهالي مدينة طرابلس ومنهم والدا الرئيس ميقاتي الراحلان عزمي وسعاد، فكانت ساحات الصرح البطريركي وطرق المنطقة لسنوات طويلة رفيقة طفولة رئيس الحكومة وشقيقه وشقيقاته.
لقاء الامس بين الرجلين جرى الاتفاق على موعده قبيل سفر رئيس الحكومة الى المملكة العربية السعودية، وهدفه بالدرجة الاولى استكمال التشاور مع سيد بكركي، في مرحلة الشغور الرئاسي، ومجمل الملفات الراهنة.
وبات واضحا أن هناك من لا يستسيغ علاقة الود بين ميقاتي والراعي، ومنهم مَنْ يقيم داخل الصرح البطريركي، فيعمد الى تسريبات اعلامية مغلوطة بشأن مواقف الراعي او علاقته بميقاتي، لكن لقاء الامس اعاد تصويب الامور على نحو نهائي.
مواقف سيد بكركي لم تزعج رئيس الحكومة، الذي يتفهم الهواجس الوطنية للبطريرك الراعي والقلق من الفراغ في سدة الرئاسة، لكن ما ازعجه هو الحملة الطائفية والمذهبية التي أطلقها البعض ضده من خلال الايحاء بأن “رئيس الحكومة السنّي يحاول مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي”. وهو كان واضحا في اجتماعه مع الراعي في التعبير عن انزعاجه من هذا “النَفَس” الذي بدأ البعض بالترويج له، وبمحاولات الصاق هذا الجو بمواقف البطريرك والسعي لتعميمه.
وهذا الجو عكسه رئيس الحكومة في تصريحه بعد اللقاء حيث قال “إن غبطته يعلم ونحن نعلم ان انتخاب الرئيس ليس مرتبطا بالحكومة، بل هو مسؤولية مجلس النواب، وبالتالي نحن اليوم نتحمّل مسؤولية أمر ليس لنا فيه اي قرار سوى تسيير امور البلد والسهر على راحة المواطن وقضاياه قدر المستطاع”.
ووضع ميقاتي النقاط على الحروف في ما يتعلق بجلسة الحكومة فأكد “انه جاءت دستوريا في موقعها الصحيح، وطائفيا انا لا اسمح بالحديث في هذا الموضوع بتاتا، لان الموضوع ليس طائفيا ولا تمييز بين مواطن وآخر. اما في ما يتعلق بالميثاقية فلا يجوز في كل مرة ان نتحجج بها، وكان هناك تمثيل كامل لكل الطوائف في مجلس الوزراء.
اما في الشق السياسي فالمسألة هي محور أخذ ورد، ولكن سنبقى مصرين على متابعة امور المواطنين ومعالجتها”.
واشار ميقاتي الى” الاتفاق على جلسة تشاور مع الوزراء قريبا للتفاهم على الخطوات التي سنقوم بها في المرحلة المقبلة”.
في المقابل، فُهم أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لم يكن راضيًا عمّا تضمنتّه عظة البطريرك الراعي لناحية انتقاده انعقاد جلسة للحكومة.
واعتبر مقرّبون من باسيل أن الراعي الذي التقى على التوالي النائب باسيل والرئيس السابق ميشال عون لم يذهب بعيدًا في مواقفه ولم يجارِ الهواجس المسيحية، بل قارب الملف الرئاسي من الزاوية الوطنية لا المسيحية، مع تشديده على ضرورة معالجة الوضع القائم في لبنان من خلال المجتمع الدولي.
وقد بدا باسيل في المقابلة التي أجراها معه الزميل ماريو عبود منزعجًا مما اعتبر تفويضًا من قِبل بطريرك الموارنة لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي لكي يتحرّك مع الدول الصديقة للبنان لتحريك الملف الرئاسي، خصوصًا أن رئيس “التيار الوطني” كان يعتقد أن سقف مواقف الراعي سيكون عاليًا، ليتفاجأ بما جاء فيها من “انتقاد لطيف” لجلسة يعتبرها باسيل غير ميثاقية.
مصادر كنسية رأت في اتصال مع” لبنان 24″ أن مواقف بكركي لا تكون غبّ الطلب، خصوصًا أنه على رغم تمسّك البطريرك بحقوق المسيحيين، يحرص على مقاربة الملفات الوطنية من زوايا تختلف من حيث منهجيتها عن مواقف الآخرين، التي تتحكّم بها مصالح ظرفية طارئة. فما يريد أن يقوله بطريرك الموارنة يقوله بصوت عال ومن دون مواربة. وهذا ما فعله بالأمس في لقائه الرئيس ميقاتي، الذي تمنى عليه لو أنه تشاور مع مختلف الوزراء قبل دعوته إلى انعقاد الجلسة وجدول أعمالها، وذلك “منعًا لاستغلال البعض مثل هذه الاجتماعات لأغراض سياسية وطائفية”.
وردا على سؤال قالت المصادر “إن البطريرك ليس في وارد الدخول في عملية دعم اسم دون اخر من المرشحين للرئاسة، وهو لن يكون طرفاً في الانتخابات الرئاسية بل سيدعم ايصال رئيس جديد يحمل مشروعا سياسيا واضحا”.
وأكدت “ان بكركي ستبقى محطة جامعة لجميع اللبنانيين من دون استثناء، وكل ما يهمها هو مواصفات الرئيس وانهاء الفراغ الرئاسي”.