لم يكد ينقضي شهران على انتهاء العهد العوني، حتى بدأت المشكلات بين المحظيين التابعين له تظهر إلى العلن، حتى داخل قيادته وكتلته النيابية.
وبعد استبعاد بعض الصقور والقياديين القدامى في “التيار الوطني الحر”، ظهر اليوم خلاف جديد بين محسوبين عليه، ومن غير المعروف إذا كان خلافاً بين أقطاب في التيار، أم أنه خلاف شخصي، وهو الخلاف بين جهاز أمن الدولة المتمثل برئيسه اللواء طوني صليبا، وبين قاضية العهد غادة عون، التي اتصلت بالمدير العام الاقليمي لجبل لبنان في جهاز أمن الدولة العقيد مروان صافي، على خلفية عدم تعاونه في ما خص المطلوب منه، الأمر الذي فسره البعض بأنه رسالة موجهة إلى اللواء صليبا.
تقول الأوساط المتابعة إن اللواء صليبا أخذ قراراً بتطهير أمن الدولة من السلطة العونية، إذ لا يجوز لجهاز مهمته حماية اللبنانيين من منطلق نشأته سواء بمهمات أمنية أم بجمع المعلومات أن يكون جهازاً محسوباً على جهة سياسية تطلق أوامرها على ضباط وأفراد فيه، وما الحادثة الأخيرة المرتبطة بقضية الممثلة ستيفاني صليبا إلا دليلاً على هذا الخيار.
مبنى أمن الدولة يشهد حتى اليوم على التنبيه شديد اللهجة وبنبرة عالية الذي تلقاه العقيد صافي، الذي لبى مطالب غادة عون، ومن خلفها جبران باسيل بحكم انتمائه السياسي عبر إرسال فاكس من مديرية أمن الدولة بالمذكرة، بدلاً من إرساله من فاكس النيابة العامة في جبل لبنان، فضلاً عن تصرفات عدة لا يأخذ فيها صافي الإذن من اللواء صليبا.
وحللت مصادر مطلعة في اتصال مع “لبنان الكبير” استدعاء القاضية عون للعقيد صافي بأنه من أجل تقديم معطيات ضد اللواء صليبا، لتستند اليها بصورة رسمية وتستدعيه على إثرها، معتبرة أن “ما يجري هو محاولة تأديب مفضوحة لكل من لا يخضع لسلطتها، وسط تساؤلات عن غياب الجهات القضائية العليا عن تصرفاتها”.
وأكد مصدر مواكب في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنه “سبق للواء صليبا أن عبّر عن استيائه من تجاوز صافي له، وتلقيه الأوامر مباشرة من قصر بعبدا أيام الحكم البرتقالي، وتحوله إلى أداة بيد القاضية عون.”
أضاف: “جهاز أمن الدولة يوصف في العديد من الأوساط بأنه الجيش الخاص للتيار الوطني الحر، وينفذ رغباته، وكانت يده مطلقة حتى في بعض الأمور التي تتجاوز صلاحيته، وقد حماه العهد البرتقالي عبر رفض المجلس الأعلى للدفاع إعطاء الاذن باستدعاء رئيس الجهاز اللواء صليبا الى التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت، ولكن العهد انتهى، والأمور مختلفة اليوم.”
من جهة أخرى، علم “لبنان الكبير” أن العلاقة بين صليبا وعون تسودها حالة من التوتر مؤخراً، ولكن المجلس القيادي لأمن الدولة لم يواجه القاضية عون، وأعطى الاذن للعقيد صافي بالمثول أمامها، وأكد المجلس أنه تحت سقف القانون، على الرغم من عدم وضوح سبب استدعاء صافي، ويتوقع أن تكون الأسباب هي بعض الملفات التي تعمل عليها عون، وتتهم جهاز أمن الدولة بالتقاعس عن واجبه وتنفيذ مذكراتها وطلباتها، من ملف استدعاء رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ونقل عقارات باسم ابنه، إلى جلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وحتى ملف الممثلة ستيفاني صليبا.
وأشارت المعلومات الى أن جهاز أمن الدولة لديه الاجابة الواضحة عن كل استفسارات عون، وأنه قام بواجبه بالابلاغات والاستدعاءات، ولكنه كان يصطدم بالخلافات القضائية، وعدم صلاحية عون في بعض الأمور، وحتى أن أمن الدولة داهم مصرف لبنان ومنزل حاكمه بعد مذكرات عون، وهو يعمل بصورة قانونية ومهنية، ولكنه لا يستطيع تخطي السياسة، وقد يكون سبب موافقة المجلس هو أن اليد البرتقالية ما زالت طولى داخل الجهاز.
اللافت في الخلاف الحاصل بين القاضية واللواء، هو أن الأخير كان قد مدح عون في حديث صحافي سابقاً، مؤكداً أنها من القضاة النزيهين، ولها تاريخ حافل في ملفات الفساد التي تفتحها عبر القضاء.
وقال: “غادة عون ملاك يهدف الى تحقيق غاية سامية، لكن تصرفها فيه ثغرات قضائية”.
وهي لم تكن المرة الأولى التي يدافع فيها اللواء عن القاضية، اذ حصل ذلك في العديد من المناسبات، ووصفها بأنها رمز للقضاء النزيه.
ولكن اليوم يبدو أن عون ومَن خلفها يحاولان تأديب صليبا، بعد اتخاذ قراره بتطهير الجهاز، ورفضه أن يكون منصاعاً الى الاملاءات السياسية، وهذا أمر يغضب مرجعيتها، التي لا تزال تحلم بالسلطة والنفوذ، وكرسي رئاسة الجمهورية.