عشية عيد الميلاد وبدء الأسبوع الأخير من السنة 2022 غلبت على المشهد الداخلي مراوحة سياسية، يبدو واضحا انها ليست مرشحة “للانعاش” قريبا، ما دامت ازمة الفراغ الرئاسي تراوح مكانها ولا افق جديا او ثابتا لامكان الخروج منها في المدى المنظور. فعلى رغم كل ما يتردد عن تحركات خارجية معينة مخصصة للازمة اللبنانية لم تتبلور واقعيا أي معطيات جادة في شأن مبادرات مزعومة جديدة كما ان الزيارة التي قام بها امس لبيروت الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد أبو الغيط لم تعكس وجود أي تحرك او مبادرة عربية حيال الازمة الرئاسية خلافا لما تردد.
وكشف مسؤول سياسي رفيع لـ”نداء الوطن” أنّ الحراك الخارجي المرتقب يرتكز على فكرة طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعقد مؤتمر “أصدقاء لبنان” في مصر أو الأردن بمشاركة عربية وغربية بغية التباحث في سبل تقديم مساعدات طارئة لمنع انهيار الدولة اللبنانية وتمكين المؤسسات الرسمية الأساسية من القدرة على الاستمرار بالعمل بعدما بلغت حدود التفكّك، وأوضح المسؤول أنّ هذه الفكرة لاقت قبولاً مبدئياً من عدد من الدول المعنية غير أنّ الاتصالات والمساعي الجارية راهناً بشأنها تتركز على بلورة صيغة انعقاد هذا المؤتمر على أساس “الورقة الكويتية” التي كان قد نقلها وزير الخارجية أحمد الناصر الصباح إلى بيروت وتضمنت عشرة بنود لإعادة بناء الثقة الخليجية والعربية مع لبنان. وبحسب المعلومات، فإنّ الرئيس الفرنسي الموجود حالياً في المنطقة يكثّف جهوده مع الرياض والدوحة حول الملف اللبناني، وكان قد سعى قبيل انعقاد مؤتمر “بغداد 2″ في الأردن إلى مشاركة ميقاتي في المؤتمر لإعطاء حيّز لبناني أكبر في المناقشات التي جرت على هامشه، لكنّ طرحه هذا لم يلقَ قبولاً ربطاً بأولية الملف العراقي التي كانت مطروحة حصراً على طاولة المؤتمر.وتنقل مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن” أنّ تركيز ماكرون اهتمامه على الملف اللبناني ينطلق من التحذيرات المتتالية التي ترد في التقارير الواردة إلى دوائر الإليزيه من أطراف لبنانية وفي مقدّمها رئيس حكومة تصريف الأعمال عن تفاقم الأزمة بشكل خطير قد يصعب تدارك تداعياتها في الفترة المقبلة بعد الأعياد، تحت وطأة تعاظم الهواجس الحقيقية من سقوط مؤسسات الدولة وتحلل هيكليتها ما لم تسارع الدول الحريصة على لبنان إلى مدّ يد المساعدة له في أسرع وقت ممكن.وعلى هذا الأساس، أوضحت المصادر أنّ الاتصالات التي أجراها ماكرون أفضت إلى الاتفاق على عقد اجتماع رباعي فرنسي – أميركي – سعودي – قطري في باريس “على مستوى المستشارين” للبحث في مستجدات الملف اللبناني ومحاولة إحداث خرق في جدار الأزمة، مشيرةً إلى أنّ دعوة قطر إلى الاجتماع تأتي من منطلق دخولها في الآونة الأخيرة على خط التواصل مع عدد من الأفرقاء اللبنانيين لا سيما منهم قوى “8 آذار” ربطاً بالمباحثات التي تجريها مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وقدرتها على تذليل العقد والعراقيل التي يضعها هذا الفريق أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مع التأكيد في الوقت نفسه على أنّ الجانب القطري يعمل في هذا الاتجاه تحت سقف المشاورات المستمرة بين الفرنسيين والسعوديين والأميركيين لإيجاد الحلول المناسبة للبنان.
وكتبت” البناء”: بعدما أكدت قمة بغداد 2 على أن الملف اللبناني ليس على جدول الأولويات الإقليمية والدولية حتى الساعة، وتوقع أكثر من مصدر سياسي من أطراف مختلفة، لـ»البناء» على أن لا تسوية قريبة للأزمة الرئاسية بالحد الأدنى حتى الربيع المقبل كي تتبلور صورة المشهدين الإقليمي والدولي وتصل الدول المتصارعة الى حد مقبول من التفاهمات على ملفات واستحقاقات ساخنة، وبعدها قد تنعكس ايجاباً على لبنان فتثمر تسوية جزئية تبدأ بانتخاب رئيس وتجرّ بعدها تأليف حكومة جديدة وتطبيق مسار الإصلاحات والإنقاذ الاقتصادي والمالي.وكتبت” الديار”: تبقى الآمال المرتبطة بالحراك الدولي الاقليمي مطلع العام المقبل او قبل نهايته، مجرد «طبخة بحص» لا معالم واضحة لها، بل مجرد تكهنات وتسريبات و«خبريات» لا يمكن التعويل عليها بغياب اي تفاهمات جدية على كيفية مقاربة الاستحقاقات الدستورية، وسط خلافات مستجدة بين المقاربة الفرنسية التي تسعى لانجاز تسوية تتجاوز حدود التفاهم على الاستحقاق الرئاسي والحكومي الى البحث بتطوير النظام السياسي وهو امر تؤيده قطر وترفضه السعودية التي لا ترى بديلا عن الطائف ولا تقبل مجرد النقاش بأي بدائل، فيما يقف الاميركيون على «الحياد» ولا يبدون اي انحياز لاي من المعسكرين في موقف يعكس عدم وجود لبنان على قائمة اولويات واشنطن، فيما يبقى كل هذا الحراك دون جدوى في غياب اي تواصل جدي بعد مع طهران غير المعنية باي مقايضة على ملفها النووي حيث عاد «حبس الانفاس» من جديد الى الواجهة مع نجاح رئيس الحكومة الاسرائيلية المكلف بنيامين نتانياهو بتشكيل حكومة يمينية متطرفة تسرب عبر «ابواقها» الاعلامية والسياسية لضرورة ضرب المشروع النووي الايراني لو تسبب ذلك بحرب اقليمية لن يكون حزب الله بعيدا عنها.
اضافت” الديار”: لا تزال الامور ضبابية، كما فهم زوار السفارة الفرنسية في بيروت، فقبل دخول السلك الدبلوماسي في «كوما» الاعياد، التقى موظفون رفيعوا المستوى في قصر الصنوبر مع عدة شخصيات حضرت للتهنئة بالاعياد، وفهم من اجواء تلك اللقاءات، ان باريس تسعى الى ايجاد تسوية تتجاوز مسألة الاستحقاقات الدستورية الى ما يمكن ان يؤمن الاستقرار على المدى المتوسط والطويل، وهي تحاول تقديم اقتراحات عملية لايجاد صيغة تراعي اجراء التعديلات اللازمة على اتفاق الطائف بعد ان ثبت وجود ثغرات كبيرة تمنع تقدم الحياة السياسية وتنعكس على الاوضاع الاقتصادية والامنية، ولان باريس تعرف جيدا حساسية الموقف السعودي من المسألة، فانها حرصت على ابلاغ المملكة بعدم وجود اي نية لاجراء مراجعة شاملة لوثيقة الوفاق الوطني التي تحولت الى دستور، وانما تدويره نحو الافضل، وهو امر يؤيده القطريون وسيطلقون حملة استمزاج واسعة لرأي القوى السياسية مطلع العام الجديد. ووفقا للمعلومات، لا تزل الرياض على تعنتها في رفض الدخول في اي بحث حول «الطائف» مهما كانت التسمية، لانها تخشى «فتح» ابواب تعديلات لن تنتهي الا بنسفه، ولهذا لم تبد اي انفتاح حتى الآن، لا على مناقشة الموضوع من اصله، ولا على تقديم مقاربة انقاذية في المقابل، غير ترداد الشروط المعتادة والتي باتت مجرد «تفصيل» في ملف اكثر تعقيدا براي الفرنسييين.وفي السياق حمّل الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أمس المسؤولين في لبنان مسؤولية مباشرة عن “الانسداد السياسي والوضع الاقتصادي الصعب والمعقّد للغاية”، باعتبارهم المطالبين قبل سواهم بأن “يبذلوا الجهود في أسرع وقت لإخراج البلد من هذا المأزق”، مؤكداً أنّ خارطة الطريق الإنقاذية تبدأ أولاً من خطوة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وبعدها تأتي عملية “انطلاق آليات الاقتصاد اللبناني”.وإذ أكدت مصادر مواكبة لزيارة الوفد العربي إلى بيروت أنها تأتي ضمن إطار بروتوكولي للمشاركة في المؤتمر الاقتصادي “من دون أن تكون هناك أي مبادرة عربية محددة خارج إطار التحذير من مغبة استمرار الوضع اللبناني على ما هو عليه من تأزم وانسداد”، لم تستبعد في الوقت عينه أن تشهد المرحلة المقبلة مع انطلاقة العام الجديد “حراكاً معيناً باتجاه تزخيم التواصل العربي – الغربي حول ملف الأزمة اللبنانية”.