“الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور”، هذه الآية الميلادية تجسّد جزئيا واقع الشعب اللبناني اليوم.
فهو جالس في ظلمة معيشية واقتصادية وسياسية لم يعرف مثيلا لها، ويغرق فيها اكثر يوما بعد يوم، لكنه يصلّي ليرى النور راجيا ان يحمله اليه ميلاد المخلّص، فيشعّ على شكل رئيس انقاذي يملأ الشغور في قصر بعبدا ويضع قطار الانقاذ على السكة ويقود عملية نقل اللبنانيين من العتمة الى الضوء.. فهل تتحقق هذه الامنية ؟
رهان خاطئ: حتى الساعة، لا شيء يدل على ان “الهدية” الرئاسية قريبة المنال.
بل ان الطبقة السياسية في معظمها قررت ان تنتظر الخارج مراهنة على “ترياق” ستصنعه العواصمُ الكبرى للازمة اللبنانية، بعد سلسلة اتصالات بينها مرتقبٌ حصولها مطلع العام المقبل بين المعنيين بالملف اللبناني في المنطقة والعالم، بقيادة باريس.
غير ان هذا الجمود المحلي مقلق، وفق ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، اذ ان المجتمع الدولي لن يحلّ مكان المسؤولين اللبنانيين، بل هو يصرّ على تأمين توافق داخلي بالحد الادنى، فيواكبه الخارج. وطالما لم يقتنع اللبنانيون بهذه الحقيقة، فإن الفراغ سيستمر.
لإحياء الحوار؟: انطلاقا من هنا، تكشف المصادر ان ثمة مَن بدأ يعدّ العدة لحوار محلي بعد الاعياد، وعلى رأس هؤلاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، غير ان الخشية كبيرة من ان يكون هذا الحوار مضيعة للوقت الى حين اقتناع ايران – التي تأخذ الرئاسة “رهينة” للضغط على الغرب – بالافراج عن الكرسي الاول في لبنان، والى حين اقتناع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بالتخلي عن مخططاته الرئاسية.
الامنية لن تتحقق: في السياق، أكّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن “أمنيته الميلاديّة هذه السنة هي أن يتمكن مجلس النواب في أسرع وقت ممكن من انتخاب رئيس للجمهوريّة يكون رئيساً فعلياً للجمهوريّة لا شخصاً جل ما فيه أنه يطلق عليه فقط لقب “رئيس الجمهوريّة”، فنحن كان لدينا رئيس مماثل في السنوات الست المنصرمة ورأينا أين وصلنا”.
ولفت إلى أنه “للأسف لا أرى في الوقت الراهن أن هذه الامنيّة يمكن أن تتحقّق في وقت قريب إلا عبر أعجوبة يقوم بها “طفل المغارة” ولكن هذا الأمر لا يعني أبداً أننا يجب التوقف عن السعي اليومي من أجل تحقيقها”.
وقال في حديث اذاعي “لماذا لا يتركون الإنتخابات تأخذ مجراها وليصل من يصل إلى سدّة المسؤوليّة؟ نحن قلنا وكرّرنا مراراً وتكراراً أنه حتى لو تمكن مرشّح الفريق الآخر من جمع 65 صوتاً في مجلس النواب فمن الممكن أن نتغيّب عن حضور جلسة أو إثنتين ولكننا لن نعطّل انتخابات رئاسة الجمهوريّة”، وبالتالي هناك فريق معين يعطل الإستحقاق الرئاسي”.
أما بالنسبة لموضوع الحوار وعما إذا كانت “القوّات اللبنانيّة” قد قطعت الطريق عليه عبر موقفها بأنها لن تشارك بأي حوار كان، قال “ليس صحيح هذا الأمر، نحن في حوار دائم مع بقيّة الأفرقاء لمحاولة الوصول إلى رئيس بالحد الأدنى مقبول، أما بالنسبة لطاولة الحوار الرسميّة فأنا لا أعرف ما هو “موقعها من الإعراب” في الوقت الراهن، فهل الحوار لا يمكن أن يحصل سوى على طاولة حوار رسميّة؟ هذه الطاولة ضروريّة ما بين الغرباء أو للحوار في مواضيع معيّنة تتطلّب دراسات وتعمّق في البحث ما بين الجميع، أما التوافق على رئيس فهو ليس بحاجة الى طاولة مماثلة “.
مخطط ضد لبنان: وفي موقف ليس بعيدا من موقف معراب، حمل تحذيرا من عملية ممنهجة لتعميم الشغور في المؤسسات وتقريعا لاداء المسؤولين وتعاطيهم مع الازمات كافة وابرزها المعيشية والمالية والقضائية، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في رسالة الميلاد “يحرمون دولتنا من رئيس من أجل مآرب شخصية وطائفية وخارجية ما يدعونا إلى الصمود بالرجاء”.
وأضاف “كل المعطيات السياسية تؤكد وجود مخطط ضدّ لبنان لإحداث فراغ رئاسي معقود على فراغ دستوري”. ورأى الراعي أنّ “لا أولوية سوى انتخاب رئيس ولا توجد دولة في العالم دون رئيس، والبطريركية المارونية مصمّمة على مواصلة نضالها في لبنان والمجتمع الدولي من أجل تسريع الاستحقاق الرئاسي”.
وسأل “ألم تمنع فئات سياسية تأليف حكومة قبل انتهاء ولاية الرئيس عون رغم علمها أن الحكومة مستقيلة حكما وتصرّف الأعمال؟ فلماذا تهدمون لبنان”؟
التدويل السبب؟! اما حزب الله الذي ارتضى التدويل والوساطة الاميركية في ملف ترسيم الحدود، والذي يعطّل نصاب الجلسات الانتخابية ويصوّت بورقة بيضاء، وفق مصادر سياسية معارضة، فيصوّب على طرح بكركي عقد مؤتمر دولي، من دون ان يسمّيها، ويعتبر ان هذا الطرح سبب استمرار الشغور.
اليوم، اعتبر نائب رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” الشيخ علي دعموش، ان “المدخل الطبيعي للاستقرار الداخلي ومعالجة المشاكل والاوضاع المعيشية هو الاسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات قادرة على اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول المطلوبة للأزمات بعيدا من الشروط والاملاءات الاميركية”، مشددا على ان “حزب الله دعا منذ البداية للتوافق الداخلي في الملف الرئاسي، لأن التوافق هو الحل الأسرع لانجاز هذا الاستحقاق والخروج من حال الانسداد السياسي”.
ورأى ان “السبب في الانسداد السياسي والتدهور الجديد في الاوضاع المعيشية ليس من يدعو الى الحوار والتفاهم بين اللبنانيين بل من يرفض الحوار، ويدعو الى تدويل الاستحقاق الرئاسي ويراهن على التدخل الخارجي ويصر على طروحات وترشيحات وخطابات تصعيدية واستفزازية تزيد من التوتر والانقسام في البلد”.
وأكد ان “الطريق الوحيد للحل في ظل التوازنات السياسية القائمة هو الحوار والتفاهم الداخلي، أما التدويل والتدخل الخارجي فلن يحل المشكلة بل سيؤدي الى تعقيد الأمور وزيادة الانقسامات وتعميق الأزمات”.
خيبة التيار؟: رئاسيا ايضا، واذا كان رئيس التيار الوطني يعوّل على استمالة المختارة اليه “رئاسيا” فإن لقاء باسيل وجنبلاط مساء امس، خيّب آمال رئيس “لبنان القوي” اذ لم يتمكن خلاله من تحقيق هدفه، بل اكد الاشتراكي خلاله انه على مقاربته للملف الرئاسي مع انفتاحه على الحوار مع الجميع. في السياق، قال عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله في حديث تلفزيوني انه و”خلال لقاء باسيل – جنبلاط امس لم يحصل نقاش بالاسماء للرئاسة”، مؤكدا ان المقاربة الرئاسية للحزب الاشتراكي لم تتغير ولكنها ليست موضوعا خشبيا جامدا وليس هذا اللقاء هو ما فتح لنا منافذ الحوار فنحن منفتحون منذ البداية وثوابتنا لم تتغير.
واكد ان “اي لقاء بين قوى سياسية، خاصة القوى المتخاصمة، موضوع ايجابي بكل ما للكلمة من معنى، وخطاب الحزب الاشتراكي هو الحوار والانفتاح ولبننة الاستحقاق الرئاسي”، مضيفا “لقاء باسيل – جنبلاط لا يجب ان يكون محطة استفسارات واجتهادات وهو لقاء طبيعي”.
سلفة الكهرباء: معيشيا، وفي وقت نغّص تحليقُ الدولار على اللبنانيين فرحتَهم بالعيد وقضى على قدرتهم الشرائية، تشق سلفة مصرف لبنان لصالح الكهرباء طريقها الى الاقرار لتفادي العتمة في الاعياد، في وقت تتجه الانظار الى رفع التعرفة والى تشكيل الهئية الناظمة للقطاع، اللذين سيشجعان البنك الدولي على تمويل الغاز المصري والاردني، لينعم اللبنانيون بــ4 ساعات كهرباء يوميا!