إذا أردنا أن نختصر ما حصل مع وليم نون، قبل توقيفه وأثناءه وبعده، وما تلا هذا التوقيف من موجات احتجاج وغضب من قِبَل الذين رأوا في هذا التوقيف” عملًا بوليسيًا”، ومن دون أن ننساق إلى الشعبوية والشعارات المستهلكة، يمكن القول إن هذا الذي حصل وسيحصل هو نتيجة عدم وجود دولة بكل ما لهذه الكلمة من معان لم يعد لها أثر في القواميس الخاصة لدى البعض، الذي كانت له “مساهمات” في تقويض أسس الدولة.
هي فاشلة تلك الدولة، التي لا يتفق نوابها على انتخاب رئيس للجمهورية.
إنها دولة فاشلة بكل مقاييس الفشل، لأنها غير قادرة إلاّ على الضعيف، أو على الذي تعتبره ضعيفًا، وتحاول أن “تفش خلقها” بمن لا يجب أن يكون مكسر عصا لهذه الدولة العاجزة عن تأمين الحدّ الأدنى من حقوق مواطنيها.
هي دولة فاشلة حين يضع بعض الذين يدّعون الحفاظ عليها العصي في دواليب حكومة تحاول بالمستطاع تأمين أقّل مما هو مطلوب منها تجاه شعبها، وحين يكثر عدد الذين لا يستحون.
الدولة الفاشلة هي الدولة التي لا تستطيع أن تحقّق في جريمة توصف بأنها “جريمة العصر”.
فما قيل وما سمعناه بالأمس من كلام عفوي في مواجهة سلطة غير منضبطة هو ترجمة لواقع أليم يعيشه لبنان كل يوم لا تتحقّق فيه العدالة الأرضية، وفي كل يوم يتمّ فيه تمويه حقيقة تفجير مرفأ بيروت.
الدولة الفاشلة وغير الموجودة هي الدولة التي تشبه جحا.
فلا تستقوي إلاّ على خالتها، أو تلك التي تكذب وتصدّق كذبتها.
هي فاشلة تلك الدولة، التي على سطحها صيف وشتاء واحد.
هي الدولة التي تميّز بين مواطن وآخر، وتعتبر واحدًا بسمنة وآخر بزيت.
هي الدولة، التي لا تعرف كيف تقف إلى جانب أبنائها في محنهم ومصائبهم، بل تقوم بعكس كل هذا.
لم نرَ دولة في العالم كله كدولتنا. تقف مع الظالم ضد المظلوم.
وقد يكون توقيف وليم نون مثالًا من بين أمثلة كثيرة لكي تثبت الدولة أنها غير دولة، أو أنها أشبه بميليشيا تحاول أن تأخذ مكان الدولة الحقيقية المفترض بها أن يلوذ بها أبناؤها حين يتعرّضون للظلم والقهر والتعسف والاضطهاد.
“دولة” بأمها وأبيها “تعتقل” شابًا لأنه قال كلامًا هو تعبير عن حالة غضب في لحظة انفعال طبيعي ليست دولة القانون والعدالة والحكمة.
فالدولة التي لا ترى سوى بعين واحدة لا تستحق أن تكون دولة بالمعايير المتعارف عليها.
فلنسمّها ما يمكن أن يخطر على بالنا من تسميات، ولكن بالتأكيد غير اسم دولة، التي لم يكن لديها “همّ” سوى توقيف من كان يطالب بكشف ملابسات التحقيق في جريمة انفجار المرفأ.
بتوقيف وليم نون لن تتحقّق العدالة، ولن يستقيم قوسها.
بهذا التوقيف غير المدروس ظرفيًا لن يعود الحق إلى أصحابه، وبالتأكيد لن تُكشف الحقيقة كما هي، وإن كانت موجعة وصعبة.
بتوقيف هذا الشاب “المحروق قلبو” على شقيقه لن تُسرّع خطوات انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولن ينتظم عمل المؤسسات المتوقفة عن الخدمة بسبب ما أصابها من سهام السياسيين، الذين عملوا على مدى سنوات طويلة على تهشيمها وتهميش أدوارها.
دولة لا قضاء فيها هي شبه دولة.
عبثًا نحاول التفتيش عن شيء مفقود.
وعبثًا نحاول أن نحيي دولة وهي رميم.