تشريع الضرورة.. باسيل يقبل في البرلمان ما يرفضه في الحكومة؟!

11 فبراير 2023
تشريع الضرورة.. باسيل يقبل في البرلمان ما يرفضه في الحكومة؟!


يبدو أنّ التئام مجلس النواب للتشريع، قبل انتخاب رئيس للجمهورية، قد حُسِم عمليًا، بعدما دعا رئيس البرلمان نبيه بري هيئة المكتب للاجتماع الإثنين المقبل، من أجل تحديد جدول أعمال أول جلسة تشريعية يعقدها المجلس منذ تكرّس الفراغ الرئاسي في أواخر تشرين الأول الماضي، مع انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وهي جلسة يرجّح أن تعقد في وقت قريب، وربما منتصف الشهر الجاري.

 
ورغم أنّ هذه الجلسة ستحمل عنوان “تشريع الضرورة”، ولن تكون بذلك غير مسبوقة، باعتبار أنّ جلسة مشابهة عقدت خلال مرحلة الفراغ الرئاسي الذي سبق انتخاب الرئيس عون في العام 2016، إلا أنّها تصطدم رغم ذلك بمعارضة واسعة النطاق، خصوصًا على المستوى المسيحي، فحزبا “القوات” و”الكتائب” يعتبران أنّها تنطوي على “مخالفة دستورية”، ويتموضع معهما نواب مستقلون وتغييريون يقولون إنّهم يرفضون “التطبيع مع الفراغ”.
 
وإذا كان شعار رفض “التطبيع مع الفراغ” هو نفسه الذي ينطلق منه “التيار الوطني الحر” في رفض التئام الحكومة في هذه المرحلة، بمعزل عن “الضرورة الملحّة”، وحتى عن واجب “تسيير شؤون الناس”، فإنّ المعطيات تشير إلى أنّ “التيار” سيشارك في الجلسة، وسيؤمّن “ميثاقيتها”، وإنّ ضمان حضوره هو الذي “حفّز” الرئيس نبيه بري أساسًا للمضيّ قدمًا في الدعوة إليها، فما صحّة موقف باسيل المستجدّ هذا، أو بالأحرى، ما “السرّ” الكامن خلفه؟!
 باسيل يشارك “بشروط”
يرفض المحسوبون على “التيار الوطني الحر” المقارنة بين الحالتين، فما يسري على مجلس النواب برأي هؤلاء لا ينطبق على الحكومة، حيث يتمسّكون بمقولة إنّ مهام الأخيرة “محصورة” بنطاق تصريف الأعمال وفق الدستور، ما يجعل أيّ اجتماعٍ لها لا تفرضه الضرورة، حتى في حالة الفراغ الرئاسي، “انتهاكًا للقوانين” على حدّ وصفهم، علمًا أنّ الضرورة برأيهم لا تقلّ، لا سمح الله، عن “زلزال” مشابه لذلك الذي دمّر تركيا وسوريا، وفق ما يقول “نخبتهم”.
 
مع ذلك، يؤكد “العونيون” أنّ حضورهم أيّ جلسة نيابية تحت عنوان “الضرورة”، غير محسوم حتى الآن، فهو “مرهون” بجدول الأعمال، وفق ما يقولون، علمًا أنّ العارفين يتحدّثون في هذا السياق عن “شروط” وضعها باسيل لتأمين حضور تكتل “لبنان القوي”، من بينها ألا يكون الجدول فضفاضًا وواسعًا، بل مقتضبًا ومحدّدًا، على أن يتضمن الأمور “الأساسية” فعلاً بالنسبة للتكتل، ومنها قانون “الكابيتال كونترول”، مع مراعاة “موقعه” في الجدول.
 
وثمّة من يذهب أبعد من ذلك ليتحدّث عن “شرط” وضعه باسيل حتى على “الهدف الجوهري” من الجلسة التشريعية، وهو التمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي يُحال على التقاعد أواخر الشهر الجاري، وهو ما أدّى في نهاية المطاف إلى “تسوية” تقوم وفق المعلومات على التمديد لمختلف المدراء العامين للأجهزة الأمنية، بما يحقّق “مطالب” باسيل، ولكن أيضًا يتفادى منطق “القوانين المفصّلة على قياس شخص واحد”، كما يقال. المعارضة “تتأهّب”؟!
هكذا إذًا، يقول العارفون إنّ موقف باسيل “مَرِن” في مجلس النواب، كما لم يكن في الحكومة، وهو بالتالي موقف “غير مبدئي”، إن جاز التعبير، فهو مستعدّ للمشاركة في الجلسة التشريعية بـ”شروط” قد لا تتناغم مع “ما يريده” أكثر، ممّا تناغم مع “الضرورات الملحّة”، التي تستدعي أن يكون التعامل مع الجلسات التشريعية كما الجلسات الحكومية، بحسّ المسؤولية الوطنية، التي تجعل منها ضرورة لا غنى عنها، طالما أنّ الفراغ الرئاسي مستمرّ إلى ما شاء الله.
 
لكن، خلافًا لباسيل، ثمّة قوى سياسية في المعارضة “تتأهّب” للتصدّي للجلسة التشريعية، كما تقول، انطلاقًا من موقف ثابت تلتزم به، يقول إنّ “لا جواز” لعقد أيّ جلسة تشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية، ولأنّ انتخاب الرئيس يجب أن يكون “أولوية الأولويات”، وهذا بالتحديد هو جوهر الاعتصام “المفتوح” الذي أعلنه نائبا “التغيير” ملحم خلف ونجاة عون صليبا، والمستمر في القاعة العامة للمجلس، ولو من دون طنّة ورنّة، وبروباغندا إعلامية.
 
ويتقاطع “التغييريون” مع “القوات” و”الكتائب” على “مقاطعة” الجلسة التشريعية المرتقبة، فالمطلوب برأيهم الضغط من أجل انتخاب رئيس للجمهورية قبل كلّ شيء، وإذا ما كان هناك من ضرورة، فيجب أن تحثّ النواب على إنجاز واجب الانتخاب أولاً، من أجل تشريعها كتحصيل حاصل ثانيًا، ويشدّدون على أنّ خيارات التعامل مع الجلسة التشريعية تبقى “مفتوحة”، رغم أنّ المعارضة تبدو “منقسمة” مرّة أخرى، بدليل مشاركة “الحزب التقدمي الاشتراكي” مثلاً.
 
لا شكّ أنّ الجلسة التشريعية ضرورية، مثلها مثل جلسات الحكومة، في ظلّ الفراغ القاتل الذي ينعكس على كلّ المستويات والمجالات، علمًا أنّ هناك من يؤكد أنّ جلسة “التمديد” لمدراء الأجهزة الأمنية، لا يمكن أن تكون “يتيمة”. ومع أنّ موقف المعارضة “المبدئي” قد يكون محقًا بطبيعته، إلا أنّه يستحقّ النقاش، فهل يكون الحلّ فعلاً بإقفال البرلمان، منعًا للتطبيع مع الفراغ؟ وهل من يفترض أصلاً أنّ من شأن عدم التشريع أن يحثّ “المعطلين” على الانتخاب؟!