ظل محرك بحث جوجل هو البوابة الأولى والرئيسية للإنترنت لما يقرب من عقدين من الزمن، ولكن في نوفمبر 2022 بدأ بمواجهة أول منافس محتمل له وهو روبوت الدردشة التفاعلي (ChatGPT) الذي أحدث ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي، وأصبح حديث الساعة في الوسط التقني.
تهيمن شركة (OpenAI) – المدعومة من شركة مايكروسوفت – من خلال روبوت (ChatGPT) على سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذا حقق خلال شهرين ونصف فقط من إطلاقه أكثر من 100 مليون مستخدم نشيط شهريًا، ليصبح أسرع تطبيق ويب نموًا على الإطلاق، وقد دفع هذا النجاح الكبير شركات التكنولوجيا كلها إلى الإسراع بتقديم تحديثات ومنتجات جديدة لمواكبة هذه الثورة التقنية الجديدة التي نشهدها حاليًا.
وقد كانت جوجل من أوائل الشركات التي استجابت لهذه الضجة، إذ أسرعت خلال الأسبوع الماضي بالإعلان عن إطلاقها الإصدار التجريبي الأول من تطبيق (بارد) Bard المنافس الجديد لروبوت ChatGPT.
فما هو جوجل Bard، وكيف يمكنك استخدامه، وما هي ميزاته؟ إليك كل ما تريد معرفته عن هذا المنافس الجديد في سوق الذكاء الاصطناعي:
أولًا؛ ما هو جوجل Bard؟
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
(جوجل بارد) Google Bard؛ هو روبوت دردشة تفاعلي يستند في عمله إلى الذكاء الاصطناعي من جوجل يمكنه الرد على الاستفسارات والطلبات المختلفة بطريقة المحادثة. ومن المفترض أن يعمل بشكل مشابه لروبوت ChatGPT، مع الاختلاف الأكبر هو أن روبوت جوجل سيسحب معلوماته من الويب.
لن يكون (بارد) Bard مُجرد روبوت للدردشة، بل من المتوقع أن تدمج جوجل إمكانياته في محركها للبحث، وذلك لتقديم إجابة مُلخصة لما يبحث المُستخدم عنه، إضافةً إلى نتائج البحث التقليدية المُعتادة في محرك جوجل، على الرغم من أنه ليس متاحًا للاستخدام على نطاق واسع حتى الآن.
ثانيًا؛ متى أعلنت جوجل عن Bard؟
أعلنت جوجل عن (بارد) Bard يوم 6 فبراير في بيان صادر عن (ساندار بيتشاي) الرئيس التنفيذي للشركة نُشر في مدونة جوجل. إذا أكد (بيتشاي) أنه لن يكون مُجرد روبوت للدردشة، بل ستدمج إمكانيته في محرك جوجل.
وقد تطرّق (بيتشاي) إلى تنوّع المعلومات التي يمكن أن يقدمها Bard، ابتداءً من تبسيط المفاهيم العلمية المعقّدة، إلى معرفة آخر أخبار الرياضة أو تعليم المُستخدم مهارات جديدة. وأنه لن يقتصر Bard على خدمة المُستخدم العادي، بل ستُوفّر جوجل واجهة برمجية API له خاصة بالمطورين لسيصبح بإمكانهم الاستفادة من ميزاته ودمجها في تطبيقاتهم.
ثالثًا؛ ما هو LaMDA؟
يستند جوجل Bard في عمله إلى (LaMDA) النموذج اللغوي الكبير الذي طورته جوجل، والذي كشفت عنه قبل عامين، وهو يشبه ( GPT-3) النموذج اللغوي المستخدم في روبوت ChatGPT.
يختلف نموذج (LaMDA) عن نماذج اللغات الأخرى أنه دُرب على الحوار وليس النص، لذلك سنجد أن (GPT-3) يركز في إنشاء نص، بينما يركز LaMDA في إنشاء حوار.
ما يجعل (LaMDA) إنجازًا ملحوظًا هو أنه يمكنه إنشاء محادثة بطريقة حرة لا تقيدها معلمات الاستجابات المستندة إلى المهام، إذ يستخدم النموذج مفاهيم، مثل: نية المستخدم، والتعلم المعزز، والتوصيات بحيث يمكن للمحادثة التنقل بين الموضوعات غير ذات الصلة بسلاسة.
طورت جوجل نموذج (LaMDA) استنادًا إلى (Transformer) وهي بنية الشبكة العصبية المفتوحة المصدر لفهم اللغة الطبيعية التي أعلنت عنها جوجل عام 2017، وهي من بين أحدث وأقوى فئات نماذج التعلم الآلي التي اُخترعت حتى الآن. وتعد حجر الأساس للعديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية التي نراها اليوم، والتي منها نموذج (GPT-3) المستخدم في ChatGPT.
أطلق باحثو جامعة ستانفورد في ورقة بحثية في أغسطس 2021 على بنية (Transformer) اسم (نماذج الأساس) foundation models – وهي نماذج للذكاء الاصطناعي مرنة وقابلة لإعادة الاستخدام يمكن تطبيقها على أي مجال أو مهمة صناعية تقريبًا – لأنهم يرونها تقود نقلة نوعية في الذكاء الاصطناعي، إذا إنها على مدى السنوات القليلة الماضية وسعت خيالنا لما هو ممكن.
تقول جوجل عن (Transformer): “”تنتج هذه البنية نموذجًا يمكن تدريبه على قراءة العديد من الكلمات على سبيل المثال: جملة أو فقرة، كما ينتبه إلى كيفية ارتباط هذه الكلمات ببعضها بعضًا، ثم يتوقع الكلمات التي يعتقد أنها ستأتي بعد ذلك”.
لذلك يفهم نموذج (LaMDA) المحادثات لأنه دُرب لفهم سياق الحوار، وهذا يسمح له بمواكبة تدفق المحادثة وإعطاء الشعور بأنه يستمع ويستجيب بدقة لما يقال.
ستستخدم النسخة الأولية من Bard نسخة نموذجية خفيفة الوزن من LaMDA، لأنها تستهلك قدرة حاسوبية أقل، مما يُساعد جوجل على تقديم الخدمة لعدد أكبر من المستخدمين للحصول على الملاحظات والاقتراحات بشكل أسرع.
بالإضافة إلى نموذج (LaMDA) سيسحب Bard المعلومات من الويب لتقديم الردود. وقال (بيتشاي): “هذه الآلية ستزود المستخدمين بردود جديدة عالية الجودة”.
رابعًا؛ كيف تستخدم جوجل Bard؟
لم تطلق جوجل Bard للجمهور العام بعد، إذ تقوم حاليًا باختباره مع مجموعة صغيرة من المختبرين الموثوق بهم، على أن يتم فتحه لعموم المستخدمين خلال الأسابيع القادمة.
وفي هذا الصدد قال (بيتشاي): “سنجمع ملاحظات الاختبارات الداخلية وملاحظات المستخدمين الذين يختبرون Bard لتطوير الخدمة وتحسين الاستجابات، لضمان أن يكون جاهزًا للإصدار للجمهور مع الالتزام بمعايير مسؤولية الذكاء الاصطناعي الخاصة بجوجل”.
خامسًا؛ أهم ميزات واستخدامات جوجل Bard:
لا يمكن حتى الآن أن تُجري روبوتات الدردشة التفاعلية محادثات كاملة مثل البشر، ولكنها تقوم بذلك عن طريق إنشاء مجموعة واسعة من النصوص الرقمية التي يمكن إعادة توظيفها في أي سياق تقريبًا ومنها من يُدرب على فهم النص، ومنها من يُدرب على فهم سياق الحوار، و يسعى روبوت Bard من جوجل لذلك من خلال ما يلي:
جمع المعلومات من استجابات المستخدمين والويب لتقديم ردود جديدة عالية الجودة.
استخدام نسخة نموذجية خفيفة من نموذج (LaMDA) اللغوي لأغراض الاختبار الأولي، ثم ستتطور في الإصدارات القادمة، مما يعني استجابات أسرع، وإجابات أكثر دقة.
جمع الملاحظات لتحسين نظام الذكاء الاصطناعي في المستقبل.
كما تسعى جوجل إلى إحداث ثورة في عملية جمع المعلومات وكيفية استخدامنا لمحركات البحث من خلال تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، لذلك من المتوقع أن تظهر حالات استخدام عديدة لروبوت جوجل Bard بعد الإطلاق الرسمي، وأكثرها توقعًا هي:
الحصول على إجابات مناسبة عن الاستفسارات باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة، حيث يمكنك سؤاله عن أي شيء تريده.
العثور على المعلومات بسلاسة أكبر عند استخدام محرك بحث جوجل، سواء كنت تبحث عن تقرير حالة الطقس أو أحدث نتائج المباريات الرياضية، يمكن أن يساعدك في ذلك.
تبسيط المعلومات المعقدة وشرح الاكتشافات الجديدة.
أتمتة مهام أكثر تعقيدًا بسلاسة.
تسهيل أداء المهام اليومية خاصة لأنشطة مثل المساعدة في إدارة الوقت والجدولة.
تسهيل المحادثات مع المستخدم في جميع المواضيع.
تتمتع جوجل بتاريخ طويل من استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث، والآن تستخدم أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لتطور طرق جديدة تمامًا للتفاعل مع المعلومات، سواء عبر اللغة أو الصور أو الصوت أو الفيديو.
سادسًا؛ لماذا يوجد الكثير من الجدل حول Bard حاليًا؟
ظهر الكثير من الجدل حول جوجل Bard بعد إعلان جوجل عنه، لدرجة أن التقارير تشير إلى أن جوجل خسرت 100 مليار دولار من قيمتها السوقية مع إغلاق الأسواق يوم الأربعاء الماضي، بالرغم من أنه لا يزال قيد الاختبار، ولم تطلقه لعموم المستخدمين بعد فلماذا؟
حدث ذلك بسبب معلومة خاطئة قدمها روبوت (بارد) Bard ظهرت ضمن الفيديو الدعائي الذي نشرته جوجل أثناء مؤتمرها الصحفي الذي أعلنت فيها عنه.
فعندما سُئل الروبوت: “ما هي الاكتشافات الجديدة من تلسكوب جيمس ويب التي أستطيع إخبار ابني الذي يبلغ من العمر 9 سنوات عنها؟”. جاءت الإجابة بشكل نقاط مُبسطة كما يطلب السؤال، إلا أنها احتوت على خطأ حيث ورد في إحدى النقاط أن (جيمس ويب) التقط أول صورة لكوكب يقع خارج مجموعتنا الشمسية.
لكن سُرعان ما التقط الناس هذا الخطأ، ونشروا تغريدات عبّروا فيها عن استيائهم من روبوت Bard لأن أول صورة التُقِطت لكوكب يقع خارج مجموعتنا الشمسية كانت في عام 2004، بواسطة VLT (تلسكوب كبير جدًا) تابع للمرصد الأوروبي. وهي معلومة معروفة وموثقة في موقع وكالة أبحاث الفضاء (ناسا).
وللرد على ذلك صرح متحدث باسم جوجل لوسائل الإعلام: “أن هذا يسلط الضوء على أهمية الاختبارات الصارمة، وهو ما بدأنا بفعله ضمن برنامج Trusted Tester”. في إشارة إلى برنامج الشركة الذي تسمح فيه لمجموعة من المستخدمين بتجربة خدماتها الجديدة وإبداء الرأي حولها.
ولكن قبل الإعلان عن روبوت Bard تعرض نموذج (LaMDA) للكثير من الانتقادات، بعدما قدم (بليك ليموين) Blake Lemoine مهندس الذكاء الاصطناعي في جوجل وثيقة للشركة يحثها فيها على اعتبار أن نموذج (LaMDA) لديه وعي، وأن عليها تنفيذ متطلباته.
لقد صرح (بليك ليموين) في يونيو 2022 لصحيفة واشنطن بوست؛ أن نموذج (LaMDA) طوّر وعيًا وإدراكًا شعوريًا، إذ يملك القدرة على الإدراك والتعبير عن الأفكار والمشاعر تعادل تلك التي يملكها طفل في الثامنة من عمره.
وقد تلاشى هذا الجدل بعد أن نفت جوجل ذلك تمامًا، وأعطت (بليك ليموين) إجازة إدارية مدفوعة الأجر قبل أن تفصله من العمل.
سابعًا؛ لماذا قررت جوجل الكشف عن Bard الآن؟
كما ذكرنا سابقًا؛ حقق روبوت ChatGPT نجاحًا كبيرًا منذ إطلاقه، إذ أشار تقرير أطلقته مجموعة USB السويسرية للخدمات المالية أنه أسرع تطبيق ويب نموًا على الإطلاق، وبسبب هذا النجاح تحاول شركات التكنولوجيا ومنها: جوجل حجز مكانتها في سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي سريع التطور الذي تهيمن عليه حاليًا شركة OpenAI المدعومة من مايكروسوفت.
كما دفع هذا النجاح شركة مايكروسوفت إلى زيادة استثماراتها في شركة OpenAI لتصل إلى 10 مليارات دولار، وحصلت على حق استخدام ChatGPT في برامجها، كما أعلنت – في اليوم التالي لإعلان جوجل عن Bard – عن دمج إصدار مُحدث من ChatGPT في محرك البحث بينج (Bing) ومتصفح إيدج.
ثامنًا؛ ما هي خدمات الذكاء الاصطناعي الأخرى التي تمتلكها جوجل؟
طورت جوجل خدمات ذكاء اصطناعي أخرى لم تطرحها للجمهور بعد، إذ عادةً ما تتعامل جوجل بحرص شديد مع منتجات الذكاء الاصطناعي ولا تُطلقها حتى تثق في أدائها. فعلى سبيل المثال طورت أداة تستند في عملها إلى الذكاء الاصطناعي لتوليد الصور من النصوص تُسمى (Imagen)، التي من المتوقع أن تكون بديلاً رائعًا لأداة (OpenAI DALL-E) عند إصدارها.
وطورت جوجل أيضًا أداة لتوليد الموسيقى من النصوص تُسمى (MusicLM)، ولكنها تقول إنها ليس لديها خطط لإصدارها في هذه المرحلة.