ينطبق على “التيار الوطني الحر” المثل الشعبي القائل: “ما خلا للصحبي محل”. لم يأت هذا المثال من عدم، فتجارب رئيس التيار البرتقالي النائب جبران باسيل في نسج علاقات مع الأفرقاء السياسيين على اختلافهم لم تكن موفقة على الإطلاق ، لا بل على العكس اتسمت بالفشل ، ولم تنجح محاولات ترميمها في أي وقت ، ذلك ان النائب باسيل يتمسك بمقولة: انا أو لا أحد. صحيح أنه ابقى على علاقة طيبة مع حزب الله لفترة من زمن، إلا أنها شهدت تأزيما مؤخرا حتى أن كثيرين قالوا أنها في العناية الفائقة.
لكن هذه العلاقة خدمت الطرفين وعادت بالفائدة على واقعهما السياسي، واستفاد النائب باسيل من دعم الحزب في استحقاقات متعددة، وشكل الحزب رافعة للتيار في محطات عدة. تقلبت العلاقة بينهما لكنها بقيت صامدة إلى حين أقر الطرفان بأن تفاهم مار مخايل اصيب في الصميم. اما علاقته مع حركة امل فاتسمت بالتشنج في معظم المراحل وكادت أن تحتدم بشكل سلبي جدا لولا تدخل الحزب وحاليا هي على القطعة.
ومع خسارة الحليف الأكبر له يجد “التيار” نفسه حكما أمام حقيقة تفيد أن علاقاته مع الأفرقاء الذين يدورون في فلك حزب الله مهددة بالتراجع وقد تكون على قاب قوسين أو أدنى من القطيعة والمقصود بذلك علاقاته مع كل من النائب السابق طلال أرسلان والحزب القومي السوري الاجتماعي وحزب البعث ، على أن علاقته مع تيار المردة مقطوعة منذ ست سنوات ، أي منذ بداية عهد الرئيس ميشال عون وإقصاء رئيس المردة النائب السابق سليمان فرنجية عن الرئاسة، واجهضت وقتها المساعي لاعادة التقارب بين الفريقين. وها هو النائب باسيل يعارض طرح الثنائي الشيعي لإيصال فرنجية إلى الرئاسة.
اما في مقلب قوى الرابع عشر من آذار، فأن التيار الوطني الحر انقلب غلى اتفاق معراب مع القوات اللبنانية والذي لم يستمر لأكثر من سنة، ودخلت العلاقة في فصول متنوعة من الاشتباك وعلى خلفية أكثر من ملف، في حين أنه تسجل خصومة في علاقته مع حزب الكتائب اللبنانية على أكثر من مستوى ولاسيما بالنسبة إلى النهج وطريقة تعاطي الوطني الحر داخل المؤسسات والمحاصصة واتفاق مار مخايل وتغطيته لسلاح حزب الله. اما علاقته مع المكون السنّي فليست في أفضل حال إذ ان علاقته مع تيار المستقبل شهدت تباينات كثيرة ولم تدم التسوية التي انجزت مع الرئيس سعد الحريري وكان التيار سببا في إخراج الحريري من الحياة السياسية، واليوم يشن حربا على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يقوم بواجباته الوطنية محافظا على الاصول السياسية والدستورية. اما مع الحزب التقدمي الاشتراكي فأن العلاقة سلكت منحى متوترا وفي بعض الأحيان تحكمت بها المصلحة.
وبالنسبة إلى الخارج فأن علاقاته مع الولايات المتحدة الامريكية ليست في وضع جيد بعد العقوبات على باسيل وكذلك بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية التي تنظر إلى التيار بأنه الحليف الأول لحزب الله. إلى ذلك لم تسجل علاقته مع قطر أي إشكالات. وفي مقلب فرنسا فإنها تحافظ على علاقة جيدة مع مختلف الأفرقاء ومن بينهم التيار الوطني الحر الذي انفتح رئيسه على بعض الدول الأوروبية.
وتقول اوساط مراقبة لـ “لبنان ٢٤” إن السرد التاريخي لعلاقة التيار مع المكونات اللبنانية يظهر وجود إشكالية متجذرة لديه تتصل في غالبيتها بانعدام القدرة في بناء الثقة مع أحد، مؤكدة ان منهجية تعاطيه لم تتبدل وان رئيسه يخوض معارك من كل حدب وصوب دون مراجعة ذاتية لأخطائه وعدم استعداده بالتالي لاصلاحها، فهو لا يقر بأن مقارباته غير صحيحة واوصلت إلى الانهيارات والخارج يعرف ذلك تماما .
وترى هذه الأوساط أن مواقفه الأخيرة تشي انه ماض في معاركه من دون التطلع إلى الوراء، لكن هذه المرة منفردا ومستخدما ما تبقى من أوراق قوة، وتشير إلى أنه ربما ابقى على باب التواصل مع بكركي لأغراض متعددة، مع العلم أن البطريرك الماروني مار بشارة الراعي شن حملة على معطلي الاستحقاق الرئاسي من دون استثناء.
وتعرب عن اعتقادها أن التيار الوطني الحر سيقف بوجه أي اتفاق سياسي يستثنيه أو يتم من دون موافقته، وتعتبر في المقابل أن دخوله في أي تسوية سياسية له شروطه إلا إذا كان القرار متخذا في بقائه بعيدا عنها، مشيرة إلى أن العوامل حاليا لا تصب في مصلحته على ان تموضعه جديد يفترض به أن بتظهر قريبا إلا إذا وجد نفسه في وضع انعزالي يحتم عليه إعادة حساباته.
قصة التيار البرتقالي في عدم استقرار تحالفاته أو علاقاته الداخلية والخارجية تتكرر في كل مفصل ما يطرح سؤال عما إذا كان ذلك الامر يناسبه أم أن خياراته وفق ما يراها لا تشبه خيارات أحد أو أنه لا يريد سوى تيار يشبهه تحت تسمية تيار رقم ٢ وتيار رقم ٣ .