لسنا كاريتاس… هذا ما يقوله الخارج للبنانيين

28 فبراير 2023
لسنا كاريتاس… هذا ما يقوله الخارج للبنانيين


من يراقب كيف يتصرّف سياسيو لبنان مع الاستحقاق الرئاسي يستغربون ما يصدر عن هذا الفريق أو عن ذاك الطرف من مواقف وكأن هذا الاستحقاق يعني غير بلد هم مسؤولون فيه ومسؤولون عمّا آلت إليه أوضاعه من اهتراء ما بعده اهتراء. فالجميع، على ما يبدو، ينامون على حرير انتظار إشارة ما من الخارج، التي لن تأتي لا على حصان أبيض ولا على طبق من فضّة. فالخارج مشغول بأمور أكثر أهمية بالنسبة إليه من انتخاب رئيس لجمهورية لبنان، الذي كان يجب أن يحصل حسب ما ينصّ عليه الدستور. وهذا الخارج، الذي يتمّ فيه تداول السلطة بطرق ديمقراطية، لا يفهم لماذا يتمنّع نواب لبنان عن انتخاب رئيس وفق الآليات المتبعة في دول العالم، وليفز تلقائيًا من يستطيع أن يحظى بأكثرية الأصوات النيابية.  

الخارج، الذي يحاول بعض الداخل التلطّي خلفه لتبرير تقاعسه وتهرّبه من تحمّل مسؤوليته، غير معني كثيرًا بما يجري في لبنان حاليًا. وجلّ اهتمام بعض منه ينصبّ على الجهود المبذولة للحفاظ على الحدّ الأدنى من الاستقرار في بلد يستضيف نحو مليون ونصف مليون نازح سوري، فضلًا عن خشية هذا البعض من أن يخرج الوضع الأمني على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية عن السيطرة، التي لا تزال تخضع حتى هذه اللحظة لموازين متعارف عليها دوليًا، بما يؤّمن هدوءًا نسبيًا في منطقة حسّاسة شهدت قبل أربعة أشهر تقريبًا تفاهمًا ضمنيًا بين دولتين لا تجمع بينهما سوى عداوة تاريخية على تقاسم خيرات المياه الإقليمية، وما فيها من ثروات دفينة من الغاز والنفط.  
وما عدا ذلك فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان أو عدم انتخابه هو آخر اهتمامات هذا الخارج، الذي بدأ يتحضرّ لمرحلة جديدة من المواجهات بعد دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثاني، وهو منهمك بالتالي بانشغالات أهمّ من “تضييع” وقته على أمور ثانوية غير معني بها لا من قريب ولا من بعيد. ولكي لا نلغي كليًا الدور الذي يمكن أن يلعبه بعض أصدقاء لبنان في الخارج، البعيد والقريب، نشير إلى أن الجانب الفرنسي يسعى وبموافقة أميركية ضمنية، وبالتوافق مع المملكة العربية السعودية، إلى “تدوير” بعض الزوايا، التي لها علاقة بالأزمة اللبنانية بشموليتها، ومن ضمنها الانتخابات الرئاسية، والتي يعتبرها البعض مفتاحًا لانفراجات متوقعة، ولكنها ليست بالتأكيد عصًا سحرية.  
واهمٌ من يعتقد أن مجرد انتخاب رئيس، إن حصل، كفيل بإنهاء مفاعيل الأزمة اللبنانية بتراكماتها وتشعباتها المتداخلة والمتشابكة. وواهمٌ أكثر من يعتقد أن رئيس الجمهورية، أيًّا يكن، قادر بعضلاته المفتولة، على أن ينقل لبنان من ضفة الانهيار إلى ضفة التعافي واستعادة بعض من حيوية مفقودة ومتلاشية.  الأيام تتوالى وتُطوى فيما الفراغ الرئاسي مستلقىً على أرجوحة المواقف السياسية المتناقضة، والتي يهدف بعضها إلى صبّ الزيت على النار الآيلة إلى التأجج والاستعار في أتاتين الصراعات، التي تتخذ أكثر من طابع تحريضي، وصولًا إلى التحريض الطائفي على خلفيات سياسية غير مستقرّة. 
ما يقوم به بعض الخارج، ومن بينهم بالطبع فرنسا، هو إسداء النصح لأصدقائهم اللبنانيين، ويقولون لهم بكل صراحة وواقعية إن لم تساعدوا أنفسكم فلن يساعدكم أحد. بادروا بإصلاحات لا بدّ منها. أظهروا جدّية في التعاطي مع أزماتكم والباقي يأتي لاحقًا. الدول لها مصالح، وتتحرّك وفق ما تمليه عليها هذه المصالح، وهي ليست “كاريتاس” أو “كرمًا على درب.   هذا ما يجب أن يفهمه المسؤولون في لبنان، وعلى هذا الأساس يجب أن يتصرّفوا.