لم يفشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس للجمهورية،كما يقال، فالجلسات التي دعي اليها في الاشهر الماضية ليست الا جلسات صورية في الوقت الضائع والفاصل عن اي مستجد دولي – اقليمي قد يدفع إلى انتخاب رئيس وفق التوقيت الخارجي.
تدرك البطريركية المارونية ان مصير موقع المسيحي الاول مهدد، لأن الكلمة النهائية في هذا الاستحقاق ليست للمسيحيين بقدر ما هي للمكونات الأخرى في البلد، علما ان القوى المسيحية تتحمل المسؤولية في ذلك. فهي ليست موحدة على كلمة سواء من شأنها أن تفرض انتخاب الرئيس الذي تتوافق عليه، ومرد ذلك كما بات معروفا وبديهيا، ان مسيحيي لبنان منقسمون إلى احزاب، ولكل منهم قيادات وولاءات مختلفة، فضلا عن أن حلم الجلوس على كرسي بعبدا فرّق القيادات المارونية التي توزعت بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري على محوري 8 و14 آذار، مع الإشارة إلى أن الخلافات فتكت في صفوف المحورين، لا سيما بعد الخلاف الحاد بين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس حزب القوات سمير جعجع على خط 14 آذار، وصولا إلى ابتعاد التيار الوطني الحر عن تحالفه مع 8 آذار وسط ما يرشح عن اقتراب موعد فرط تفاهم مار مخايل.ربما يظن بعض القيادات المسيحية أن الاوان حان لتطبيق اللامركزية الادارية والمالية الموسعة، فالتيار الوطني الحر يعتبرها من الثوابت في برنامجه، إلا أن صدامه مع حزب الله على خلفية مشاركة الأخير في جلسات مجلس الوزراء جعله يهدد بفرض اللامركزية بقوة وبشتى الطرق في إشارته”مش ماشي الحال أبداً، ويجب البدء جدّياً باللامركزية الموسعة، إن لم يكن بالقانون بعد 30 سنة من الطائف، نبدأها على الأرض”. أما رئيس حزب القوات سمير جعجع ،الذي لم يأت على طرح اللامركزية المالية، فهدد بإعادة النظر بالتركيبة اللبنانية في حال تمكّن حزب الله من الإتيان برئيس بالشكل الذي يريده، الأمر الذي جعل خصوم جعجع يعتبرون أنه يستحضر طرح التقسيم من جديد.لا شك أن مكونات سياسية تعتبر ان اللامركزية المالية سوف تؤدي إلى تفاوت بين المناطق على مستوى الموارد المالية ، مع اقتناعها أن هناك من يدفع بالبلد نحو الانهيار من أجل تحقيق ما يصبو اليه على مستوى التقسيم. في حين أن داعمي اللامركزية الإدارية والمالية يستندون إلى أن هذا الخيار سوف يحقق العدالة في توزيع الثروة الوطنية، ليبقى الأكيد أن المشهد المستجد في البلد منذ الفراغ الرئاسي ينذر بفوضى على كل المستويات، ويبعث على القلق وسط بروز ملامح لفرز طائفي على مستوى عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية.حاول بعض النواب يوم امس التخفيف من وطأة ما حصل في جلسة اللجان المشتركة على خلفية انسحاب تكتل لبنان القوي اعتراضا على مناقشة مشاريع القوانين الواردة من الحكومة نظرا لعدم دستوريّتها من وجهة نظرهم، لتكر السبحة وينسحب ايضا نواب الجمهورية القوية وحزب الكتائب، وسط خطاب برتقالي طائفي علا في البرلمان يمس إلى حد كبير بالصيغة والنظام، إلا أن الاكيد وفق مصادر نيابية اخرى أن مشهد الامس، ربطا بتعطيل الجلسة العامة التي كان يفترض أن يدعو اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ينذر بتداعيات خطيرة على عمل المؤسسات وعلى البلد، خاصة وأن من عطل جلسة اللجان أمس سوف يعطل اي جلسة أخرى يتضمن جدول أعمالها مشاريع قوانين محالة من الحكومة، وبالتالي فإن ما حصل من فرز طائفي أمر خطير جداً ولا يجوز التعاطي معه بلامبالاة أو استخفاف، خاصة وأن هناك من اعتاد التمترس بمواقف طائفية اضحت تشكل خطرا على البلد وتنوعه ومؤسساته الدستورية.يقول مصدر سياسي: “البلد يضج باراء ومنتديات تسوق لافكار تقسيمية، جاءت نتاج لأفكار طرحها موفدون غربيون امام شخصيات سياسية وثقافية واعلامية”. وللتذكير فإن مجلة “فورين بوليسي”الأميركية أشارت بعد انتفاضة 17 تشرين إلى أن التقسيم خيار جاد في لبنان من شأنه أن يساعد في تجنب الأخطاء المتكررة التي ميزت لبنان إلى حد كبير خلال القرن الماضي، مضيفة بينما يشترك اللبنانيون في السمات المشتركة، إلا أنهم لا يستطيعون الاتفاق على الحريات السياسية والاجتماعية الأساسية، والتي لا يمكن الحفاظ عليها إلا من خلال ميثاق سياسي جديد.ربما أول من استدرك خطر الانقسام الطائفي كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، عندما حذر حزب الله من خطوة التخلي عن باسيل، فهو كان مدركا ولا يزال أن ابتعاد باسيل عن الحزب سيدفعه إلى البحث عن حلفاء له في الساحة المسيحية وفي حال حال حصل ذلك سيكون البلد امام انقسام مسيحي – اسلامي بدأت مؤشراته تلوح في الافق.لكن هل سيبقى هذا الانقسام مضبوطاً؟ وماذا لو طال الفراغ؟ وهل فعلا اللامركزية الادارية والمالية هي المخرج للكثير من المشكلات؟ المقبل من الايام كفيل بالرد على هذه الاسئلة.