لم يعد سرًّا الكشف عن أن سبب الخلاف الرئيسي بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” هو تبنّي الأمين العام لـ “الحزب” السيد حسن نصرالله ترشيح رئيس تيار “المردة” الوزير سليمان فرنجية، وإن لم يُعلن ذلك علانيةً ورسميًا، ولذلك ألف سبب وسبب.
فمنذ أن قال السيد نصرالله لجبران باسيل “بدك تسمح لنا فيها هيدي المرّة” بدأت رقعة التباعد بين الحليفين الاستراتيجيين تتوسّع إلى حدّ القول بأن إعلان مراسم الطلاق لم يعد بعيدًا، على رغم أن “الحزب” لا يزال يراهن على تفهّم جبران لموقفه، وكذلك على عودته الطبيعية إلى أحضان “محور الممانعة”، بعد أن يتعهّد له السيد نصرالله شخصيًا بحصوله على ضمانات سياسية مستقبلية، فضلًا عن المكتسبات الأخرى، التي يمكن أن تُعطى له في العهد الجديد بما يمكّنه من الحفاظ على ما حصّله في عهد العماد عون.
هذه هي شروط باسيل، كما يقول بعض العارفين. وتبدو من وجهة نظر “حارة حريك” أنها غير تعجيزية، وإن كانت التجارب السابقة في هذا المجال غير مشجعة، إذ يعتبر الذين كانوا على علاقة وثيقة بباسيل من “الحزب” أنه لا يكتفي بالقليل، بل يسعى إلى المزيد في كل مرّة يحصل فيها على شيء. فإذا أُعطي رغيفًا يطالب في اليوم التالي بالمعجن كله. ولكن قياسًا إلى ما يمكن أن يؤّمنه “التيار الوطني” لهذا المحور من أصوات تكاملية للوصول إلى عتبة الـ 65 صوتًا، التي يحتاج إليها فرنجية ليصير رئيسًا للجمهورية، فإن ما يمكن أن “يقبضه” باسيل كـ “ثمن” لموقفه هذا يبقى ضمن المعقول والمقبول في المنطق التسووي.
وقد يكون ترشيح الرئيس نبيه بري لفرنجية “ضربة معلم” من الناحيتين الداخلية والخارجية.
ففي الداخل، وعلى رغم الخلاف الواضح بين “التيار الوطني” وحركة “أمل”، فإن إمكانية إقناع باسيل بالانضمام إلى مؤيدي ترشيح فرنجية قد تبدو من منظار بري أسهل متى حان وقت الجدّ، وحين تُكشف كل الأوراق وتوضع على طاولة الأخذ والردّ. ومن يراجع مواقف الرئيس بري يتيقّن أن الرجل لا يراهن عادة على إلاّ على الحصان الرابح. وهذا ما يراهن عليه اليوم من خلال تأكدّه من أن لتفاوض مع باسيل في شكل جدّي سيؤدّي إلى نتائج مرجوة. وهذا ما سينعكس أيضًا على عودة العلاقة بين “حارة حريك” و”ميرنا الشالوحي” إلى طبيعتها، وإن جزئية، وذلك بعدما تأكد باسيل أن حظوظه الرئاسية تساوي في المعادلة الرقمية ما يقارب الصفر.
وقد يكون موقف الرئيس بري من ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي يحتاج إلى تعديل دستوري، بحسب تعبيره، قد أراح باسيل كثيرًا. وهذا ما يُعتبر في المفاهيم السياسية على الطريقة اللبنانية نوعًا من “التسليف”. وهذا الأمر قد يساعد الذين دخلوا على خط الوساطة بين “عين التينة” وباسيل، في محاولة لتذليل العقبات، التي كانت تقف عائقًا أمام إمكانية أي تفاهم سياسي بين الطرفين، وذلك استنادًا إلى تجارب سابقة، ومن بينها التحالف الانتخابي في غير منطقة بين “التيار” و”الحركة”.
أمّا خارجيًا فإن خطوة بري الرئاسية قد أراحت الذين حاولوا “تسويق” فرنجية لدى المسؤولين في المملكة العربية السعودية، خصوصًا أن محاولاتهم السابقة كانت تصطدم بموقف الرياض الرافض، باعتبار أن فرنجية هو مرشح “حزب الله”. أمّا أن يصدر هذا الترشيح عن رئيس مجلس النواب، الذي تربطه بالمملكة علاقات ودّ واحترام، فله مدلولات أخرى، أقّله بالنسبة إلى التماهي غير المباشر بما تحقّق من تقدّم على صعيد المفاوضات مع الحوثيين في اليمن، وما يمكن توقعّه من نتائج ملموسة قد تنعكس إيجابًا على المحادثات الثنائية السعودية – الإيرانية.
ولكن تبقى عقبة أساسية أمام إمكانية إيصال فرنجية إلى بعبدا، وهي كيفية تأمين نصاب الثلثين لجلسة الانتخاب… (يتبع)