لا يبدو حزب الكتائب اللبنانية، الذي بدأ منذ ما بعد الانتخابات الاخيرة، مساراً سياسيا مختلفاً، مستعجلاً لقطف الثمار السياسية لتموضعه الجديد. يكفيه حتى اللحظة، تحقيقه مكاسب شعبية من جهة، ومكاسب مرتبطة بصورته العامة من جهة اخرى، خصوصاً وأن التوازنات النيابية التي افرزتها الانتخابات الاخيرة، لا تخدم هدف “الانجاز” لاي من الكتل والتكلات السياسية، وكل ما تتيحه هو تعطيل مسارات الخصوم.
بعد الانتخابات النيابية قطع الكتائب الطريق على الاحزاب التقليدية ومنعها من التقارب مع قوى التغيير التي باتت تتحالف بغالبية نوابها مع الصيفي، وتنسق الخطوات النيابية والسياسية بشكل شبه كامل مع رئيس الحزب النائب سامي الجميل الذي تمكن من خلق مدى نيابي حيوي يغلّف كتلة الكتائب المؤلفة من اربعة نواب.من بين التغييريين نواب يكاد يلتحقون بكتلة الكتائب واخرون ينسقون معها في ادق التفاصل، وهذا ما اعطى الصيفي قدرة سياسية اكبر من تلك التي تؤمنها الكتلة النيابية الكتائبية، وساهم في تحقيق انتصار تكتيكي على الخصم التقليدي، اي حزب القوات اللبنانية، الذي عاد بعد تعريته من تحالفات تغييرية، حزباً تقليديا لا حزباً “ثوريا، تشرينياً”. لكن الكتائب، باتت اليوم تقود بشكل او بآخر قوى المعارضة، وان كانت هذه الصورة لا تعجب “القوات اللبنانية”، الا انها ترضى بها على مضض، وربما بشكل مؤقت. حصل ذلك بشكل فعلي بعد الانسحاب العملي لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من بين قوى المعارضة واتجاهه الكامل الى الوسط في الرئاسة وغيرها من الاستحقاقات.قرر الجميل، قبل اسابيع، وفي مخاطرة سياسية واعلامية، الانقلاب على موقفه الحاد الذي حارب به داخل المجلس النواب والذي رفض من خلاله التعطيل، ودعا لان يكون نصاب الجلسة الثانية لانتخاب الرئيس النصف زائداً واحداً. كاد الجميل، بعد ان بات مؤيداً لتعطيل اي جلسة سينتخب فيها رئيس متحالف مع حزب الله، ان يتعثر سياسيا خصوصا لو استغل خصومه السياسيين موقفه السابق وتناقضه مع موقفه الحالي، اذ الامر كان سيصيب، بشكل عضوي، صدقيته التي عمل على تكريسها لسنوات.المفاجأة كانت في تبدل موقف القوات اللبنانية التي إلتحقت بالجميل وباتت، بعد مواقف واضحة مغايرة، تؤيد التعطيل ومقاطعة جلسات مجلس النواب، وهذا ما ينطبق على عدد لا بأس به من نواب التغيير والنواب المسيحيين المستقلين. أخرج الجميل أرنب المقاطعة المعاكسة لجلسات الانتخاب وبدأ العمل على تأمين ثلث النواب ليتمكن من التعطيل.من يراقب الحراك السياسي في جبهة خصوم حزب الله، يرى ان حزب الكتائب هو المتحرك الاكبر لتأمين الثلث المعطل، وهذا ما يكرس فكرة قيادته الجبهة المعارضة، اقله الى حين تقرر “القوات اللبنانية”الدخول في التسوية السياسية، كما يترقب خصومها، وهذه خطوة يتمناها الكتائب لأنها تؤمن له قدرة التفرد مسيحيا بخطاب التغيير والثورة.لم يتمكن الجميل حتى اللحظة من تأمين ثلث النواب لتعطيل الجلسة، وهو هنا لا يحتسب اعضاء تكتل لبنان القوي، على اعتبار، ان التقاطع مع هؤلاء في هذه المرحلة لا يعني التقاطع الدائم وان اعتبارات التيار الوطني الحر التي تدفعه الى تعطيل الجلسات مختلفة عن اعتبارات المعارضة، وعليه فإن الهدف، الذي بات قريبا، هو تأمين ثلث النواب من دون نواب “التيار”.يعاند الجميل عددا لا بأس به من قياديي حزبه الذي يدفعون بإتجاه قيام الكتائب بتفاهمات وحوارات سياسية مع الاحزاب التقليدية، ومع القوات اللبنانية بشكل خاص، منطلقين من نظرية واقعية بضرورة البحث عن بدائل في ظل تعثر قوى ونواب التغيير وتراجع حماسة اللبنانيين لهم، رهان الجميل مستمر على المسار غير التقليدي للحزب بإنتظار تحقيق انجاز سياسي يعزز خطابه وسلوكه امام الرأي العام وداخل الاطر الحزبية.