كتبت تراز منصور في “نداء الوطن”: ينمو قطاع الطاقة الشمسية بوتيرة تصاعدية بمعدل مرة ونصف سنوياً أي بنسبة 150 في المئة، لتصل ذروة إنتاج الطاقة الشمسية في العام 2022 إلى 500 ميغاوط. والسبب يعود إلى أزمة الكهرباء المستعصية وارتفاع فواتير المولدات الخاصة التي دفعت باللبنانيين إلى تركيب السخّانات الشمسية، للاستفادة بسهولة من الخلايا الكهروضوئية لإنتاج طاقة خضراء ومنخفضة الكلفة، وخصوصاً أنّه يوجد في لبنان أكثر من 300 يوم مشمس. وبدأت الشركات المتخصّصة في هذا المجال تنمو كالفطريات، وكذلك غزت السخانات الشمسية أسطح المنازل، ممّا تسبّب بعشوائية في هذا القطاع، لناحية تركيب المشاريع، وأنواع المعدّات ووجهة استيرادها.
الاحتباس الحراري، والدعوات البيئية لإنتاج طاقة نظيفة من الطاقات المتجددة (الشمس، الهواء، الماء والعضوي)، كانت السبب في إنشاء المركز اللبناني لحفظ الطاقة (LCEC ) في وزارة الطاقة في العام 2005.وبدأ سوق إنتاج الطاقة الشمسية ينمو في لبنان بوتيرة تصاعدية منذ العام 2010 ولغاية العام 2022، بمعدل مرة ونصف سنوياً أي بنسبة 150 في المئة. وتُعتبر هذه نسبة جيدة وفق ما أوضحه رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة (LCEC) المهندس بيار خوري.وأضاف خوري: “بلغ إنتاج الطاقة الشمسية منذ العام 2010 ولغاية العام 2020 قيمة 100 ميغاواط، أما في العام 2021 فبلغت قيمته 100 ميغاواط وفي العام 2022 بلغت قيمة الإنتاج 500 ميغاواط. والسبب في ذلك يعود إلى رفع الدعم عن المحروقات، الخطوة التي كنّا نطالب بتنفيذها سابقاً ولكن بشكل تدريجي. وها قد اتخذ القرار فجأة وتسبّب بارتفاعات مخيفة في فواتير المولدات الخاصة، دفع باللبنانيين إلى التهافت على تركيب السخانات الشمسية لتخفيض كلفة الفواتير”.ويتابع خوري أنه “منذ إنشاء المركز اللبناني لحفظ الطاقة في وزارة الطاقة في العام 2005، وهو ينفّد مشاريع تحت عناوين مختلفة، منها توعوية كإدخال مادة الطاقات المتجدّدة إلى مناهج كليات الهندسة، إضافة إلى مشاريع تعاون مع مؤسـسة ليبنور لوضع المواصفات والمقاييس للسخانات الشمسية والمعدات الأخرى، كي تتلاءم مع المواصفات العالمية. كما تمّ التعاون مع مصرف لبنان في العام 2011 لمنح قروض للطاقة الشمسية بفائدة أقل من واحد في المئة، وقد استفاد من هذا المشروع نحو ألف مستفيد”.وفي الإطار عينه أوضح أنّ مصرف الإسكان قد وقّع في 23 أيار 2022 مذكّرة تفاهم مع المركز تتعلق بقروض الطاقة الشمسيّة مدعومة من المؤسسات الأوروبية، على أن لا تتجاوز قيمة الإنتاج الخمسة أمبير.أمّا آلية تقديم الطلبات فبدأت في 20 حزيران عبر تطبيق إلكتروني، للمساعدة وتوفير عناء التنقّل. ويأتي هذا التعاون لِدَعم آلية مَنح هذه القروض على المستويين الفني والتقني، لضمان تركيب أنظمة طاقة عالية الجودة، بشكلٍ يمنح الأفراد ذوي الدخل المحدود والمتوسط إمكانية الحصول على كهرباء مستدامة وبأسعار مقبولة.وفي الوقت عينه وضع المركز اللبناني لحفظ الطاقة خبراته بالطاقة البديلة في تصرّف مصرف الإسكان خدمة كاملة ومتكاملة. كما خصّص المركز فريقاً متخصّصاً لتقديم الشروحات اللازمة لأي استفسار، كما أعدّ لائحة تتضمن أسماء شركات الطاقة الشمسية المؤهّلة التي يمكن للمواطنين التواصل معها، لتقديم طلب الحصول على قرض.وإزاء الطفرة الكبيرة في الطلب على تركيب سخانات شمسية يوازيها الطفرة في إنشاء شركات متخصصة في هذا الإطار، أشار خوري إلى آلية تعاون نشأت بين وزارتي الطاقة والداخلية لضبط السوق ومنح التراخيص القانونية لعمليات تركيب السخانات المطابقة للمقاييس والمواصفات العالمية، والتأكد من جودة المعدات المستوردة في مركز البحوث الصناعية، وبمعاونة المركز الذي يقدّم المشورة والنصح التقنيين. وفي حال ظهور مخالفات، تُقدم الشكاوى عبر وزارة الداخلية، وتُرسل إلى المحافظين والقوى الأمنية في المناطق. وجدير بالذكر، أنّ نحو 15% من الشركات العاملة في البلد تقدمت بإذن من المركز للمصادقة على عملها، فيما الـ 85% منها يعمل بصورة غير شرعيةوبما أن مصادر الطاقات المتجددة لا تقتصر على الشمس فقط بل تشمل الماء والهواء، أكد المهندس خوري أنّ “وزارة الطاقة قد أطلقت في العام 2010 “أطلس الهواء” المتعلّق بتحديد مناطق الهواء في لبنان، ومنح مجلس الوزراء الإذن بالعمل لثلاث شركات متخصصة في إنتاج الطاقة الهوائية، والتي أنهت جميع المراحل بانتظار الحصول على التمويل الخارجي، ولكنها اصطدمت بواقع أنّ هذا التمويل لن يتمّ، إلا بعد أنّ يوقّع لبنان إتفاقية مع صندوق النقد الدولي. والواقع نفسه اصطدمت به الـ 12 شركة المتخصّصة في مجال إنشاء مشاريع طاقة شمسية باستطاعة 165 ميغاواطاً، رخّص لها مجلس الوزراء في أيار من العام 2022″.وأضاف: “يمكن لكل شركة من هذه الشركات إنتاج 15 ميغاواطاً من الكهرباء على الطاقة الشمسية. كما أنها موزّعة على المحافظات التالية: ثلاث منها في محافظة البقاع، ثلاث في محافظة الجنوب، ثلاث أخرى في محافظة جبل لبنان،أما الشركات الثلاث الأخيرة فهي في محافظة الشمال. ولكن واحدة منها قد انسحبت بسبب يأسها من الانتظار المميت، وبات عددها اليوم 11 شركة. سوف تشبك على شبكة كهرباء لبنان وتبيع الطاقة للمواطنين.من جهته، أكد الدكتور المهندس مازن غندور أنه ينطبق في لبنان حاليا المثل القائل “ربّ ضارة نافعة”. فمع تفاقم مشاكل غياب الكهرباء وعدم القدرة على تشغيل المعامل لغياب السيولة ولشراء الفيول والغاز أويل، ومع الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار وفواتير المولدات الخاصة…تحوّلت الأزمة لدى الكثيرين إلى فرصة للبحث عن حلول، وكان التوجه نحو الطاقة الشمسية هو الأنسب والأوفر والأسرع”.وعن ما حققته الطاقة الشمسية في الأعوام الأخيرة أكد أنّ الطاقة الشمسية قد حققت في العامين الماضيين ما لم تحققه على مدى عشر سنوات. فقد وصلت لاستطاعة مركبة حوالى500 ميغاواط، وإذا استمر هذا النمو المتسارع والمضطرد خلال الفترة القادمة، يصبح بالإمكان الوصول إلى تحقيق 30% من الطاقة المتجددة في العام 2030 من إجمالي الطا قة.وأضاف الدكتور غندور: “إنّ المشكلة الدائمة في لبنان تكمن في غياب التخطيط والعشوائية في تنفيذ المشاريع وعدم تطبيق القوانين والالتزام بها بالشكل المطلوب. يحتاج هذا القطاع. إلى قوانين وتشريعات ووضع مواصفات، إن كان لناحية المنظومات الشمسية المستوردة، أو لناحية مراقبة وتصنيف الشركات وتدريب الكوادر، وإعطاء الحوافز والضمانات والعودة إلى سياسة القروض الميسرة من خلال المصارف.فأسعار المنظومات ما زالت مرتفعة نوعاً ما، ولا سيّما مع ضرورة استخدام البطاريات للتخزين، نظراً لغياب الشبكة العامة، وإمكانية ضخّ فائض الطاقة المُنتجة عليها، كما هو معمول به في عدة دول، لناحية بيع وشراء الطاقة مع الشبكة العامة”.لتكتمل الحلقة، كان لا بدّ من المواكبة الأكاديمية. فقد أُطلق أول ماستر بحثي مشترك في مجال الطاقات المتجددة في العام 2011 بين الجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف، والذي تخرّجت منه مجموعة كبيرة من المهندسين الأكفاء وأصحاب الخبرة في هذا المجال، وفق الدكتور غندور الذي أكدّ أنّ تعديل المناهج في كلية الهندسة قد حصل وأُدخلت إليها مقرّرات جديدة حول الطاقة المتجددة وتطبيقاتها. ويتم توجيه الطلاب من خلال مشاريع التخرّج ورسائل الماستر والدكتوراه نحو هذه المواضيع، بالتعاون مع عدة جامعات ومراكز أبحاث عالمية.وعن الحلول العملية التي نُفذت في بعض المناطق في لبنان، أشار الدكتور غندور إلى أنّ اعتماد منظومة الطاقة والشبكة المستقلة Micro Grid، حيث يتمّ ربط انتاج مزارع الطاقة الشمسية بشبكة المولّدات الخاصة في بلدة معينة، ممّا يحقق وفرة كبيرة لناحية الاستفادة القصوى من الطاقة الشمسية نهاراً والاستغناء عن التخزين بالبطاريات، والتعويض من خلال عمل المولدات خلال الليل فقط.وفي الختام اعتبر أنّ هذه الانطلاقة السريعة نحو الطاقة الشمسية، ولو احتاجت إلى بعض التصويب والتحسين، انما هي مؤشر على طريق إيجاد بعض الحلول لمشاكل الطاقة المزمنة في لبنان.نظراً لخطورة الوضع ولطفرة الشركات التي نشأت كالفطريات في العامين الأخيرين، اعتبرت مديرة شركة solar energy هيام صليبا سمّيا أنّ ظروف الكهرباء القاسية، والارتفاع الكبير بفواتير المولدات الخاصة، دفع اللبنانيين إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية للتوفير، وتركيب ألواح الطاقة الشمسية. وجدير بالذكر، أنّ هذه الثقافة لم تكن موجودة في لبنان قبل عشر سنوات، عندما بدأت دول العالم تتجه لاعتماد الطاقة النظيفة نتيجة الاحتباس الحراري.وأوضحت أن نسبة الطلب على الطاقة الشمسية قد زادت نحو 50 قي المئة في العامين الأخيرين، وأنّ المعدّات المُستخدمة يتمّ استيرادها من ألمانيا ودبي والصين.وأكدت السيدة سميا أنّه «نظراً لكثرة الطلب، نشأت شركات جديدة مضاربة للشركات القديمة، غير مؤهلة للعمل في هذا الحقل المتخصص والجديد. وعمّت الفوضى والعشوائية وباتت الخطورة سيّدة الموقف، وبات على الدولة تنظيمه ورعايته، وإطلاق حملات توعية. علماً أنّ المركز اللبناني لحفظ الطاقة الذي نأخذ استشارته في كل عملية تركيب، يسعى جاهداً لحماية الشركات القديمة من منافسة الشركات الحديثة».