للاجتماع المسيحي المرتقب، الذي دعا إليه البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، وإن كان مخصّصًا للصلاة والتأمل، له بعد سياسي حتى ولو كان سيد بكركي قد قطع الأمل في إمكانية جمع كلمة النواب المسيحيين، أقله الموارنة منهم، حول اسم أو اسمين أو ثلاثة أسماء يمكن أن يتمّ التفاوض عليها مع الشريك الآخر في المواطنية على أساس الخيارات المقبولة، والتي يمكن أن تشكّل منطلقًا لحوار هادف وبنّاء، ويمكن بالتالي التأسيس عليه لمرحلة جديدة من عمر الوطن، والتي تتطلب مقاربات مختلفة عمّا سبقها من تسويات لم تبنَ على الصخر، بل على رمال متحركّة، فكان مصير هذا البناء الكرتوني السقوط عند أول هزّة.
Advertisement
فهذا الاجتماع المكتمل النصاب، على ما يبدو، له مدلولات غير المدلولات الروحية والسياسية. فهو سيعقد في مركز “بيت عنيا” في حريصا، وفي الخامس من نيسان المقبل، أي يوم “أربعاء أيوب”، وفق الليتورجية المارونية. ومن هذه المدلولات المرتبطة بالمكان والزمان يمكن استخلاص بعض العبر التشبيهية، إذ أن البطريرك الماروني، الذي حدّد زمان انعقاد هذا اللقاء الروحي وزمانه، قصد أن يوصل إلى النواب المسيحيين، الذين سيجتمعون تحت نظر السيدة العذراء، أكثر من رسالة، وهذا ما سيكون بالتأكيد من بين عناوين كلمة الافتتاح، التي ستلي الذبيحة الإلهية، التي سيترأسها وسيعاونه فيها أكبر عدد من المطارنة، وخاصة مطارنة الأطراف.
فكلمة البطريرك الراعي تأتي قبل خمسة أيام من عيد القيامة. وما سيقوله فيها لن تخرج عن سياق معاني هذا العيد في الحياة المسيحية، وهو الذي يأتي بعد عذابات الجلجلة والصلب والموت. من هذه المعاني ستكون انطلاقة هذا الاجتماع المسيحي، وهو الأول من نوعه، وله أهمية قصوى من حيث رمزيته أولًا، ومن حيث أبعاده الروحية والوطنية وحتى السياسية ثانيًا. فرمزية هذا اللقاء أنه ينعقد في “بيت عنيا”، المسمّى على اسم القرية التي كانت الأحبّ على قلب السيد المسيح، والتي أقام فيها من بين الأموات صديقه اليعازر. مما يعني أن قيامة لبنان من تحت أنقاض أزماته المتراكمة لا بدّ آتية، وإن طال الزمن.
وهذا اللقاء ينعقد يوم “أربعة أيوب”، الذي صبر على محنه فكان مثالًا في الصبر، فتحمّل الشدائد وقساوة الزمن وخسر أبناءه وخيرات الأرض إلى أن كافأه الله وجازاه خير مجازاة. فالشعب اللبناني، الذي تحمّل ما لا قدرة لأي شعب آخر على التحمّل، صبر كثيرًا وعانى ولا يزال يعاني، لكنه لم ييأس على رغم الظروف القاسية والصعبة. ولكن لصبر هذا الشعب حدودًا، وهو لن يسكت طويلًا، وسيكون لصدى صوته دويّ عظيم.
فاللقاء الروحي في حريصا لن يكون سياسيًا مئة في المئة بالطبع، ولكنه لن يخلو من مناخات سياسية، باعتبار أن دعوة بكركي إلى الصلاة لم تكن لترد لولا الدافع السياسي. وقد تكون الصلاة مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، بعدما تبيّن للراعي من خلال ما نقله إليه موفده إلى القيادات المارونية المطران أنطوان أبو نجم من أجواء سلبية عن إمكانية جمع كلمة الموارنة على مقاربة سياسية واحدة.
فالشعب لن يصبر بعد اليوم طويلًا. هو سيقول كلمته هذه المرّة غير كل المرّات. سيحاسب نوابه والمسؤولين وكل من له علاقة بأزماته المعيشية. الوضع لم يعد يحتمل. فالصلاة المدعو إليها النواب المسيحيون لن تغيّر شيئًا، ولن تؤدي إلى قناعة جماعية بضرورة انتخاب رئيس طالما أن الجميع يعتبرون أن هذا الانتخاب سيكون مفتاح الحل، ولن تطعم الجائع خبزًا، ولن تداوي مريضًا لا يجد حبّة دواء، ولن ترضع الرضّع حليبًا، ولن توقف هجرة الشباب اليائس، ولن تعيد من هاجر، ولن توفر العلم لطالب متروك يواجه مصاعب الحياة لوحده.
الصلاة ضرورية في كل آن وأوان، ولكنها تصبح من دون ذي فائدة إن لم تُقرن بالأفعال. فإذا كان لا بدّ من الصلاة فلنبدأ بتلاوة فعل الندامة أولًا، ثم نطلب الغفران من شعبنا ثانيًا، على أن يترافق كل ذلك بممارسة كل أعمال الرحمة بما يرضي الله والضمير، وبما يدحرج الحجر عن صدر هذا الشعب، وينزله عن صليب الهوان.