التواصل بين السعوديّة و حزب الله.. هل اقترب؟

24 مارس 2023
التواصل بين السعوديّة و حزب الله.. هل اقترب؟

منذ الإعلان عن الإتفاق السّعودي – الإيراني قبل أكثرَ من 10 أيّام، أصبحَ “حزب الله” في لبنان بمكانٍ آخر من حيث التعاطي مع المملكة العربيّة السعودية، فالليونة واضحة جداً كما أنّ أي كلامٍ ضدّ المملكة إنحسرَ بشكلٍ نهائيّ، ففرملة الخطابات المُعادية حصلت، والمرحلة حالياً جديدة. 

في خطابٍ له، أمس الأول، كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله واضحاً في مباركة التقارب بين الرياض وطهران،  مُعرباً عن أملِه في أن نأمل ينعكس هذا الإتفاق إيجاباً على الجهود الرامية لإنجاز الإستحقاق الرئاسي في لبنان. كذلك، جدّد نصرالله الدعوة لإتجاه لبنان شرقاً، مُستشهداً بالسعودية التي تتعامل بشكلٍ مباشر مع الصين.  وأمام ذلك، فإنّ ما يبدو هو أنّ الحزب فتَح حقاً صفحةً جديدة مع السعودية، إذ أنّ المصلحة المُشتركة تقتضي ذلك، ولا يُمكن أبداً التصرّف عكس التيّار القائم. ففي كلامه ، أصر نصرالله على التلميح بأنّ الإتفاق بمثابة مُقدّمةٍ بارزة لحصول إستقرار في المنطقة، في حين أنه لم يتطرّق إلى مكانة سوريا حالياً في الوسط العربي والتي ستمتدّ آثار الإتفاق الإيراني – السعودي إليها لا محال قريباً، وقد بدأت بوادرُ هذا الأمر تظهرُ على أكثر من صعيد. هنا، فإنّ ما يتبيّن هو أنّ السعودية تسيرُ وفق نهجٍ واضح للإنفتاح على مُختلف الدول التي تُشكل ثغراتٍ أمنية في المنطقة، ومن خلال حراكها تسعى المملكة إلى إنهاء الصراعات القائمة تمهيداً لإستقرار يدعمُ رؤيتها الخاصة 2030 التي ترتبط بإزدهار إقتصاديّ ونمو سياحي واستقرار أمنيّ وسياسيّ.  
عملياً، فإنّ المنطقة تعاني من حربين فعليتين، الأولى في سوريا والثانية في اليمن، والمُشكلة الأساس كانت في أنّ إيران كان لها حضور في هذين البلدين، ولهذا كان الإتفاق السعودي – الإيراني مرتبطاً بضرورة إنهاء الحرب في اليمن، والإنتقال نحو تسوية مع سوريا جرى التمهيد لها منذ سنوات، وثمارها باتت تظهرُ مؤخراً من خلال التصريحات السعودية وحتى أيضاً من خلال المعلومات التي تحدّثت عن أن المملكة ستُعيد فتح قنصليتها في دمشق بعد انتهاء شهر رمضان المبارك. حتماً، فإنّ المملكة تتعاطى مع الملفات من مختلف الزوايا السياسية والأمنية، والأساس لديها هو إنهاء أي إقتتالٍ قد يُعكّر صفو المنطقة ويجرّها نحو أزماتٍ أكبر. ولهذا، قرّرت الإنطلاق لتوطيد العلاقات مع محيطها من أجل ضمان أمنها وتمكين ساحاتها، وحقاً ما يمكن تثبيته بقوّة هو أنّ السعودية ترعي السلام بكل مقوّماته في المنطقة، ورؤيتها للإزدهار لا تنطبق فقط داخلها بل تطالُ مختلف البلدان المجاورة.. ولكن، ماذا عن لبنان؟ وهل ستطاله آثار الرؤية الماضية قدُماً؟ 
من دون أي منازع، تتمسّك السعودية بإستقرار لبنان وأمنه، والدليل على ذلك هو المباحثات التي تُجريها باستمرار في سبيل دعم لبنان. وعلى الرغم من أنّ الإجتماع السعودي – الفرنسي الذي عُقد في باريس الأسبوع الماضي لم يُثمر عن نتيجة واضحة، فإنّ الرياض ما زالت مُصرّة على سلوك لبنان درب الإصلاحات، والسبب الأساسي هو أنّ أي استثمارات للسعودية في لبنان يجب أن تكون خاضعة للحوكمة وفي ظل إدارة سليمة. حتماً، هذا ما تُشدّد عليه المملكة دائماً، فهي لا تنظر إلى استحقاق رئاسة الجمهورية في لبنان من بوابة سياسية فحسب، بل تربطه بمختلف النواحي الإقتصادية والأمنية. وإذا صحّ التعبير، فإنّ السعودية تطمحُ من خلال حراكها الأخير إلى التمهيد لتأسيس منطقة عربية متينة أمنياً وإقتصادياً، ومرتبطة برؤيتها التي ستنعكس إيجاباً على كافة البلدان.  
ماذا عن “حزب الله”؟ 
من جهة أخرى، فإنّ إتفاق السعودية مع إيران وانفتاحها على سوريا، لا يعني بالضرورة انفتاحاً وتقارباً مع “حزب الله” في لبنان، فلكل جهة إتجاهتها، كما أنّ السعودية لا تتعامل مع الحزب في لبنان بل تتعامل مع الدولة والمؤسسات فيها. إضافة إلى ذلك، فإنّ أي تواصل سيجري بين السعودية والحزب قد يكون عبر إيران أو عبر وسطاء آخرين، وهنا بيت القصيد. وبمعنى آخر، فإنّ السعودية اليوم مكّنت علاقاتها مع إيران التي تعتبرُ الداعمة لـ”حزب الله”، وبالتالي فإنّ الكلام في أي ملف يكونُ مع الأصيل وليس مع الوكيل. هنا، المُقاربة هي الأكثر منطقيّة، لكن ذلك لا يعني أنّ السعودية ستخوضُ اليوم غمار حربٍ ضدّ “حزب الله” في حال لم تتواصل معه، فالرياض تعي تماماً أن الطائفة الشيعية هي مكوّن أساسيّ في لبنان، كما أن ما كان مطلوباً سعودياً من “حزب الله” ارتبط بحرب اليمن التي شارفت على الإنتهاء. وعليه، فإنّ الملف الذي كان يعني الرياض سينتفي شيئاً فشيئاً، في حين أن “حزب الله” بات مرغماً اليوم على التجاوب مع الإتفاق الأخير وسحب كل ما يرتبط بوجوده في اليمن، وذلك من أجل صون الإتفاق الذي تتمسّك به إيران بشكل قاطع وحاسم.
 
وعليه، فإنّ علاقة السعودية مع “حزب الله” ستبقى تحت سقف إيران أولاً، في حين أنّ الحزب مُطالب اليوم وأكثر من أي وقتٍ لتكريس كافة الوسائل التي تضمن الإتفاق، وهذا الأمرُ سيكونُ مطلباً إيرانياً في طليعة الأمر.