كتبت سابين عويس في” النهار”: مهما يكن الاختبار الذي خضعت له القوى السياسية في مسألة تعديل التوقيت الصيفي، فهو بيّن من دون أي لبس أن المكوّنات الحاكمة في البلد لم تخرج بعد من لعبة النفوذ والسلطة وتوازن القوى، رغم مستوى الانهيار الذي بلغته الدولة بمؤسساتها والاقتصاد بمختلف أعمدته، والمواطنون بكل شرائحهم وانتماءاتهم السياسية أو الطائفية. ما يطرح السؤال: ماذا بعد الجلسة الأخيرة الاستثنائية لمجلس الوزراء وماذا بعد الكلام العالي السقف لرئيس حكومة تصريف الأعمال عن نفاد قدرته على التحمّل؟ وهل هذا الكلام يمثّل تهديداً يرمي الى الضغط على المكوّنات الأخرى لاحتواء الأزمة والعودة الى الرشد، أم هو فعلاً مقدّمة للاعتكاف، كما حاول صاحبه الإيحاء شكلاً ومضموناً في الكلمة التي ألقاها بعد الجلسة الحكومية أول من أمس؟
من حيث الشكل، لوحظ أمس أن ميقاتي لم يحضر الى السرايا الحكومية ولم يعقد أي اجتماع أو لقاء في مكتبه، وليس أكيداً ما إن كان سيتبع المسار عينه اليوم في عدم الحضور أم سيكتفي بتوجيه رسالة رمزية قد لا يكون أي فريق تلقفها جيداً.أما في المضمون، فتؤكد أوساطه أنه منزعج جداً من المواقف التي ظهرت حيال مسألةالتوقيت، ولا سيما موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر وزير التربية عباس الحلبي، معتبرة أن موقف الأخير شكل العامل المعطل الأكبر، بعدما تبيّن أن الهدف من تغيير الموقف من مؤيد لميقاتي الى مخالف له، لا يعدو كونه يصبّ في إطار المزايدة الى جانب رئيس المجلس نبيه بري، على نحو بدا كأن ميقاتي يعارض ويختلف مع بري، أو أنها تصب في إطار الشعبوية.هذا الأمر دفع ميقاتي الى إعادة النظر في مقاربته لمسار العمل الحكومي في مرحلة تصريف الأعمال، مشيرة الى أن عدوله عن الإعلان عن موقفه يعود الى رغبته في التريّث وتبريد الأجواء المثارة والمفتعلة على خلفية مسألة التوقيت، لكي يأتي القرار من خارج سياق رد فعل انفعالي أو متسرع، نظراً الى أن أوضاع البلاد لا تحتمل المزيد من التصعيد والتشنج. وقد عززت مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى الاتصال بميقاتي غداة الجلسة الحكومية من هذا التوجه لديه، إذ وضعها ميقاتي في إطار إعادة تصويب الأمور والسير في المعالجات المطلوبة لاحتواء التشنج، بعدما كان الاتصال الأول لميقاتي بالراعي سلبياً.ويُفهم من أجواء ميقاتي أن الرجل ليس في وارد العودة حالياً الى مسار تصريف الأعمال، أو الى عقد جلسات حكومية أقله هذا الأسبوع، في انتظار بلورة الخطوات التي سيلجأ إليها، بعد التشاور مع المكونات السياسية والسنية لكي تأتي خطواته مدروسة ومنسقة ولا تمس بصلاحيات رئاسة الحكومة، بعدما عبّرت قيادات سنية عن انزعاجها واستيائها من التجاوزات والاستهدافات التي يتعرّض لها ميقاتي ويسكت عنها تحت عنوان الحفاظ على العيش المشترك. وتشير أوساط سنية إلى أنها تترقب حركة ميقاتي للبناء عليها، انطلاقاً من عدم جواز السكوت عن التجاوزات الحاصلة.وهذا يعني أن الملفات الشائكة ولا سيما مسألة الرواتب للقطاع العام التي كان يُفترض أن تُطرح على مجلس الوزراء قبل أن يقرر ميقاتي إلغاء الجلسة، ستُجمّد في الأيام القليلة المقبلة في انتظار الإيقاع الذي سيسير عليه رئيس الحكومة في المرحلة المقبلة، ورهن تقديراته لجدوى انعقاده وتأمين نصاب الجلسة، خصوصاً أن خيار الاعتكاف لم يسقط بعد من حساباته، لكنه لا يزال يدرس تداعياته.