نجيب ميقاتي.. وخصوصية المرحلة
كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: إستثنائيٌ وخطيرٌ، الوضع في لبنان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، خصوصا بعد مرحلة طويلة تراكمت فيها كل أنواع الموبقات، أخطأ فيها من أخطأ، وأفسد فيها من أفسد، وإرتجل فيها من إرتجل، وسرق فيها من سرق، وصولا الى إنهيار كامل في ظل عهد كان يُفترض به أن يسارع الى خطوات عملية لتفادي الغرق في مستنقع الأزمات، لكنه آثر إستكمال مسيرة تحقيق المصالح والمكاسب التي نقلت البلاد والعباد الى جهنم.
وبما أن “الفقر يولد النقار”، فقد تضمن المشهد السياسي كل أنواع الصراعات والخلافات التي تُرجمت بتبادل الاتهامات، والامعان في التأزيم، وغياب المسؤولية الوطنية والشفافية والوحدة والكلمة السواء، فضلا عن آداء سياسي إرتجالي من أكثرية التيارات التي أربكتها ثورة 17 تشرين فإزدادت شراسة ولجأت الى التحريض والشحن واللعب على الغرائز الطائفية، ما وضع البلاد على فوهة بركان يتحرك عند كل إستحقاق أو قرار أو حدث ويلفظ لهيبه الذي يكاد في كل مرة أن يحرق الأخضر واليابس.
في غمرة التدحرج نحو جهنم، بدأت البلاد تشهد ملامح فراغ في السلطة التنفيذية وبدأ الخطر يظلل مساحات الوطن بطولها وعرضها مع مخاوف الفوضى والحرب في ظل تسلط صهر العهد على الجمهورية وإحكام قبضته عليها، ما صعّب من مهمة رئاسة الحكومة التي كانت تحتاج الى رجل إستثنائي يتماشى مع المرحلة الاستثنائية، ويستطيع تطويع الأزمات السياسية والاقتصادية بالحكمة والحنكة والتفس الطويل وتدوير الزوايا، فحمل نجيب ميقاتي كرة النار في مهمة ما تزال مستمرة بفصول تزداد صعوبة.
جاهد نجيب ميقاتي بوسائل وأساليب مختلفة وبإمكانات شبه معدومة لدولة منهارة وتُرك وحيدا في أصعب الظروف يواجه بمفرده أزمات هي الأصعب والأكثر تعقيدا في تاريخ لبنان الحديث، بينما إنصرفت التيارات والقيادات السياسية للتفرغ لخلافاتها وتجاذباتها التي أمعنت في تعميق الشروخ اللبنانية، وحولت عملية الانقاذ الى فردية يقودها ميقاتي وحده، بدل أن تكون عبارة عن ورشة وطنية يشارك فيها الجميع.
تحمل ميقاتي كل أنواع الاستهدافات، خصوصا ممن أرادوا أن يسطروا بطولات وهمية إنتخابية أو شعبوية على ظهر حكومته، لكنه رغم ذلك ترفع عن الصغائر، وأدار ماكيناته لإجتراح الحلول بهدف التخفيف من حدة الانهيار ومن التداعيات الكارثية للارتطام الذي يلوح في أفق الوطن ويقترب شيئا فشيئا نتيجة التعطيل المؤسساتي الشامل الناتج عن العُقد والانانيات السياسية التي تمدد الشغور الرئاسي وتضاعف من المخاطر.
لم يعدم الرئيس ميقاتي وسيلة إلا وإستخدمها لاجتراح الحلول ولابقاء إسم لبنان على خارطة المنطقة، بعد سلسلة تحذيرات دولية وإقليمية من إمكانية سقوطه أو إسقاطه في حال تصنيفه دولة فاشلة، خصوصا أن نصف أزمات لبنان لو أرخت بثقلها على أي بلد آخر لتلاشى مع الدولة والكيان والمؤسسات والعسكر ولحلت الفوضى وتحولت الشوارع مرتعا للشبيحة والزعران، لكن لبنان ما يزال صامدا بفعل حرص ميقاتي على حماية الأجهزة الأمنية والعسكريةوصون المؤسسات والتعاون معها لتمرير هذه المرحلة الاستثنائية بأقل الخسائر الممكنة.
نجح نجيب ميقاتي في عدم إدخال لبنان في الفوضى الشاملة بالرغم من تنامي الأزمات الاجتماعية والمعيشية، ومن سعي البعض الى هذه الفوضى والى تصفية حسابات سياسية معه متراكمة منذ العهد البائد، تُرجمت بأسوأ أشكالها باستغلال مذكرة إدارية عادية لتأجيل إعتماد التوقيت الصيفي مراعاة للمسلمين في شهر الصوم، كاد البعض من خلال التحريض والشحن والمواقف الارتجالية أن يحولها الى حرب طائفية، سارع نجيب ميقاتي الى إطفائها وسحب فتائلها مقدما بذلك المصلحة الوطنية العليا على كل ما عداها، ووأد فتنة كان يحضر البعض لها للاستفادة منها أقله في الاستحقاق الرئاسي المقبل.
كان بوسع ميقاتي أن يتمسك بمذكرة التوقيت ويتحصن بالشارع الاسلامي بمذاهبه كافة، لكن ليس إبن طرابلس الوسطي المعتدل رجل الدولة من يعرّض وطنه لخطر حرب أهلية لأي سبب كان، حيث عرض الأمر على مجلس الوزراء الذي إتخذ قرار بالابقاء على التوقيت الصيفي، ليسجل التاريخ أن نجيب ميقاتي حمى لبنان وصان شعبه، وأن كان وسيبقى الرئيس القوي الذي يحافظ على أمن وإستقرار شعبه، وليس الرئيس المستقوي المستعد للتضحية بأي شيء لتحقيق مصالحه، أو المرشح الرئاسي الساعي للوصول ولو على دماء الناس.