لكي يعرف اللبنانيون كيف يختارون بين “أهون الشرّين” عليهم أن يقرأوا جيدًا بين السطور. فما يُكتب فيها غير مفهوم حتى الآن، وإن كان ما يُطالب به المجتمع الدولي اللبنانيين لم تتضح معالمُه بعد. فالمطالبة بالإصلاحات لا تكفي وحدها. بل يجب أن يصحبها ما يمكن أن يساعد على السير بما يُطَالب به اللبنانيون، وبالأخصّ أن الذين يستعجلون انطلاق قطار هذه الإصلاحات يعرفون “بير لبنان وغطاه”، ويعرفون بالتأكيد ما يعيق هذه الإصلاحات، التي من دونها لن تستقيم الأمور. فما يعرفه الأميركيون والفرنسيون ومسؤولو صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكذلك القريب والبعيد، هو أكثر من اللزوم، ولكن نسأل: هل يكفي أن يعرف كل هؤلاء مكامن الخلل، وهل يكفي أن يدّلوا بأصبعهم على الداء من دون تقديم الدواء، وهل يكفي تشخيص المرض، وهو قد أصبح معروفًا. فالمريض سيبقى مريضًا ما لم يوضع في غرفة العناية المكثّفة والفائقة، وما لم يُعطَ العلاج الشافي، وما لم يُساعَد للخروج من حالته المرضية.
ما يسمعه اللبنانيون من المسؤولين الدوليين، سواء في واشنطن أو في فرنسا أو في غيرها من العواصم التي يُقال إنها تهتمّ بالوضع اللبناني قد أصبح مغيّبًا عن ظهر قلب لكثرة ترداده. كل ما يريدون قوله لا يعدو كونه فقاقيع صابون. هم يطالبون مجلس النوّاب بإجراء الاستحقاق الرئاسيّ، وانتخاب رئيس جديد للبلاد. والأنكى من كل ذلك أن بعض هؤلاء المسؤولين يبدون استياءهم من أداء الكتل النيابيّة في عمليّة التباطؤ الحاصل في انتخاب رئيس الجمهوريّة، ويعلنون أنّهم لا يتدّخلون في موضوع سياديّ يخصّ اللبنانيّين.
صحيح أن نواب الأمّة المختلفين حتى الآن على مواصفات الرئيس العتيد يتحمّلون المسؤولية المباشرة عن تمنعّهم عن القيام بما يفرضه عليهم الدستور، ولكن في المقابل فإن المجتمع الدولي مطَالب، بالتوازي، إمّا أن يكون تحرّكه إيجابيًا وفاعلًا، وإمّا أن يترك اللبنانيين “يقبّعون” شوكهم بأيديهم العارية. وما دام نواب الأمّة الـ 128 المنتخبون قبل سنة تقريبًا ينتظرون، كما يُقال، أن تأتيهم كلمة السرّ من الخارج فإن البلاد ستبقى من دون رئيس حتى أجل غير مسمّى، وقد تطول فترة الفراغ الرئاسي.
ومع قيام وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان بزيارة لافتة لبيروت، في توقيتها وفي مراميها، خصوصًا بعد الحديث عن أن التعويل على التفاهم الايراني- السعودي لم يفعل فعله لبنانيا، فإنه يُنتظر أن يتم الدفع قدمًا بهذه الخطوة، بعدما تبين ان الدخول الاميركي على الخط من بوابة عدم ترحيبها بمبادرة باريس، التي اضطرّت على أن تعلن، باسم وزارة الخارجية، بأن ليس لديها مرشح لرئاسة الجمهورية في لبنان، وإن كان هذا الإعلان لا يشكل، في رأي بعض المراقبين الديبلوماسيين، عائقاً أمام اندفاعها في تسويق ترشيح رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، مع الاشارة إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدرج اسم فرنجية على رأس المتسابقين للوصول إلى القصر الجمهوري في بعبدا، مع العلم أنه يؤكد أنه لا يعرف فرنجية شخصيًا ولم يسبق له أن التقاه على حدة، لكنه ينظر إليه على أنه لا يزال المرشح الأوفر حظاً لإنهاء الشغور الرئاسي.
وهكذا تمرّ الأيام وتُطوى على مفاجآت غير متوقعة أو منتظرة، وهي تتراوح بين السيئ والأقّل سوءًا، من دون تحقيق أي خرق في جدار الفراغ الرئاسي، الذي يفصل اللبنانيين عن الحلول الممكنة لخروج آمن من عمق أعماق الهوّة السحيقة، التي أدخلوا إليها عنوة.
المصدر:
لبنان 24