تبذل الحكومة المصرية الكثير من الجهود لتوفير العملة الأجنبية والقضاء على الأزمة التي تعاني منها حاليا، وتظهر آثارها على الكثير من القطاعات.
وأدى شح العملة الصعبة أو الفجوة الدولارية إلى صعوبات في استيراد المواد الخام اللازمة للمصانع، وارتفاع الأسعار لمستويات غير مسبوقة منذ 5 سنوات.
ماذا تعني الفجوة الدولارية
والفجوة الدولارية هي الفارق بين العملات الأجنبية الصادرة من الدولة (عادةً الدولار الأميركي) والعملة المحلية في الاقتصاد الوطني للدولة.
وتحدث هذه الفجوة في العادة عندما يكون هناك زيادة في الطلب على العملات الأجنبية بسبب ارتفاع الواردات المحلية أو تراجع الصادرات، مما يؤدي إلى نقص في العملات الأجنبية المتاحة في السوق المحلية.
ومن أجل تغطية هذه الفجوة، يتعين على الحكومة الحصول على مزيد من العملات الأجنبية عن طريق طرق مختلفة، مثل الاقتراض من البنوك الدولية، بيع السندات الحكومية، طرح الأسهم في البورصة، زيادة الصادرات، وتقليل الواردات.
وبشكل عام، تعتبر الفجوة الدولارية مشكلة اقتصادية، حيث يمكن أن تؤدي إلى تدهور العملة المحلية وزيادة التضخم.
حجم الأزمة
في شباط الماضي، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إن مصر تحتاج لاستثمارات بقيمة 100 مليار دولار خلال 5 سنوات لسد فجوتها الدولارية البالغة 30 مليار دولار. وفي كانون الثاني الماضي، قدّر صندوق النقد الدولي الفجوة التمويلية للاقتصاد المصري خلال السنوات الأربع المقبلة بنحو 17 مليار دولار.
وقالت إيفانا هولار، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر، خلال مؤتمر صحفي خاص بعرض برنامج التعاون مع مصر للإصلاح الاقتصادي إن سعر الصرف المدار في مصر خلال السنوات الماضية أدى إلى تراكم الاختلالات وفقدان مصر للأصول النقد الأجنبي.
تصريحات حكومية “مطمئنة”
تؤكد التصريحات الحكومية على قدرة الدولة على توفير العملة الأجنبية باتباع مجموعة من الإجراءات، وتستشهد على ذلك بقدرتها، حتى الآن، على تسديد إلتزاماتها.
وقال رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إنه في “كل مرة هناك مراهنة على أن الدولة المصرية تسدد التزاماتها هذا الشهر من عدمه، وأكدت منذ فترة أن الدولة تلتزم بسداد ما عليها”، وأضاف: “الخطة مجودة وننتظر إتمام عدد من الطروحات الكبيرة للإعلان عن الأمر”.
من جانبها، أكدت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد أن “مشكلة توفير العملة الأجنبية مشكلة مؤقتة؛ ناتجة عن الظروف الجيوسياسية التي يمر بها العالم”.
وأوضحت أن “الضغط المتزايد في الطلب على العملة الأجنبية ناتج عن الارتفاع الشديد في أسعار المواد الاستراتيجية، مثل القمح والطاقة، الذي أدى إلى زيادة فاتورة الاستيراد”.
ولفتت إلى أن الحكومة اتخذت إجراءات قصيرة المدى ومتوسطة المدى لمواجهة هذه المشكلة وزيادة حجم الإيرادات.
كذلك، قالت الوزيرة إن الحكومة أجلت مشروعات لتوفير العملة الصعبة، وزادت إيرادات قطاع السياحة بنسبة 25%، وزادت إيرادات قناة السويس بحوالي 30%، وسجلت ارتفاع حجم الصادرات بشكل عام، وانخفضت الواردات بنسبة 34% وهو ما أدى إلى تحسن الميزان التجاري.
وأشارت إلى برنامج الطروحات لتشجيع الاستثمار الأجنبي، وزيادة الموارد الدولارية وتحقيق التوازن في سوق الصرف الأجنبي.
وأكدت السعيد على توافق مجلس الوزراء على ترشيد الإنفاق الاستثماري، خاصة الذي له مكون دولاري، في سبيل توفير موارد الدولة وتحفيز مشاركة القطاع الخاص والمستثمر.
مصادر العملة الصعبة
وهناك 5 مصادر أساسية تحصل من خلالها مصر على العملة الصعبة؛ الصادرات وتحويلات العاملين بالخارج وإيرادات قناة السويس وإيرادات السياحة، والاستثمار الأجنبي المباشر.
وبحسب بيان للرئاسة المصرية، ارتفعت إيرادات قناة السويس بنحو 35% في الربع الأول من 2023، إلى 2.3 مليار دولار خلال الربع الأول من العام 2023، مقارنة بالربع الأول من العام الماضي.
وخلال العام المالي 2021/ 2022، حققت القناة أعلى إيراد سنوي مالي بلغ 7 مليارات دولار، متجاوزة بذلك كافة الأرقام التي تم تسجيلها من قبل.
وبخصوص الصادرات، فقد كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن قفزة في قيمة الصادرات المصرية لمختلف دول العالم، لتسجل 42.8 مليار دولار خلال الـ 10 أشهر الأولى من عام 2022، مقابل 34.7 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2021، بزيادة قدرها 8.1 مليار دولار، وبنسبة 23.3%.
وسجلت تحويلات المصريين العاملين في الخارج خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2022-2023 نحو 12 مليار دولار.
وكشف البنك المركزى عن تعافي الإيرادات السياحية بمعدل 25.7%، لتسجل نحو 7.3 مليار دولار خلال الفترة من تموز وحتى كانون الأول 2022، مقابل 5.8 مليار فى الفترة نفسها من العام السابق، وأسفرت معاملات الاقتصاد المصـري مع العالم الخارجي خلال النصف الأول (الفترة من تموز – كانون الأول) من السنة المالية 2022- 2023، عن تحسن فى عجز حساب المعاملات الجارية بمعدل 77.2% ليسجل نحو 1.8 مليار دولار.
ومن بين الاتجاهات التي تسعى الحكومة المصرية من خلالها لسد الفجوة الدولارية أيضاً برنامج الطروحات الحكومية بالبورصة الذي أعلنت عنها الحكومة، ويتضمن بيع حصص في 32 شركة لمستثمرين استراتيجيين أو في البورصة خلال عام، بالإضافة للمبادرات الهادفة إلى تشجيع توطين الصناعات والحد من الاستيراد.
مبادرات للمساعدة في توفير الدولار
في ظل محاولات الحكومة المصرية توفير العملة الصعبة والسيطرة على ما يحدث في سوق الصرف، ظهرت مبادرات من بعض الكيانات تدعو للوقف المؤقت لاستيراد بعض السلع التي يمكن أن يكون لها بديل محلي أو تلك التي يمكن الاستغناء عنها.
وقال عادل ناصر، نائب رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، في مصر، إن “وقف استيراد هذه السلع، التكميلية وغير الأساسية، سيخفف من حدة الاستيراد العشوائي من الخارج، ويوطن للصناعات المحلية ويوسع قاعدتها، ويعزز نشاط السوق المصري بسبب القوة الشرائية العالية التي يتميز بها”.
وأوضح في تصريحاته لـ”بوابة الأهرام” بأن “هذه السلع تمثل في استيرادها عبئًا ماليًا على ميزانية الدولة، وضغطا على تدبير الدولار، في الوقت الذي لا يمثل استيرادها حاجة ضرورية لحياة المواطن”.
وأعلنت الحكومة مؤخراً زيادة التعريفة الجمركية بنسبة ما بين 10 إلى 60% على بعض السلع، حيث تم زيادة التعريفة الجمركية على 364 سلعة، لا يمثل استيرادها حاجة أساسية للمواطن.