ما خرج به راعي بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر، موفدًا من البطريرك بشارة الراعي، من لقائه مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله من نتائج لا من قناعات، يمكن التأسيس عليه للمرحلة المقبلة، التي ستشهد “كباشًا رئاسيًا” بنكهة جديدة، وبمعطيات لم تكن متوافرة من قبل زيارة الراعي لروما وباريس، وبعد انسحاب النائب ميشال معوض من السباق الرئاسي، وبعدما حسمت “المعارضة” خيار دعم الوزير السابق جهاد ازعور، على رغم ما يكتنف هذه المشهدية من ضباب قد ينقشع بعد تظهير الصورة النهائية للمعركة الرئاسية، التي ستنحصر حتمًا بين رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية وازعور.
فما سمعه المطران عبد الساتر، الواضحة مواقفه من “الطبقة السياسية” ،من السيد نصرالله لجهة تمسّك “الثنائي الشيعي”، ومن معه، بترشيح فرنجية، لن يغيّر في موازين القوى وفي المعادلات الرقمية شيئًا يُذكر، خصوصًا أن ما استنتجه موفد الراعي هو أن ليس هناك ما يُسمى بخطة “بـ” رئاسية لدى “حزب الله”، الذي يعد ويفي، وهو المعروف عنه التزامه بما يعد حتى النهاية حتى ولو تيقّن بما لا يقبل الشكّ بأن ظروف “المعركة الرئاسية” لم تعد تصبّ في مصلحة مرشحه الرئاسي.
فهذه الاستنتاجات ستقود حتمًا إلى فرز المواقف بين مؤيد لفرنجية وداعم لازعور، وإن كان بعض النواب لا يزال يغرّد خارج سرب “المعارضة”، الأمر الذي يجعل مهمة التنسيق بين هذه القوى المنضوية تحت مسمّى “المعارضة” صعبة وشاقة وغير ثابتة، خصوصًا لجهة دقّة “البونتاج”، الذي لا يزال يكتنفه بعض الغموض الناتج عن الحذر الذي يبديه هذا الطرف تجاه الطرف الآخر، أو بالأحرى عدم وجود ثقة متبادلة بين الذين وجدوا أنفسهم للتحالف الظرفي، الذي فرضته “المصيبة المشتركة”.
هذا الجو المخيّم في “معسكر” المعارضة يقابله وضوح في الرؤية والخيار لدى “الفريق الممانع”، الذي حدّد ماذا يريد منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها كل من الرئيس نبيه بري والسيد نصرالله دعم ترشيح فرنجية. وهذا الموقف الموحدّ غير قابل لـ “الشانتاج” كما لمسه المطران عبد الساتر من “لقاء حارة حريك”، وهذا ما يجعل الأمور تتعقد أكثر فأكثر، وذلك نظرًا إلى عدم استعداد أي فريق للتنازل عمّا يعتقده صوابًا في خياراته السياسية والرئاسية، خصوصًا أن في حوزتهما مفتاح تعطيل أي جلسة قد تميل دّفتها لصالح المرشح المنافس، الذي يُعتبر في ميزان المصالح وتوازيًا مرشح تحدّ. فمرشح “المعارضة”، أي جهاد ازعور، يعتبره “الثنائي الشيعي” مرشح تحدٍّ، تمامًا كما تعتبر “المعارضة” إصرار “الثنائي الشيعي” على دعم ترشيح فرنجية تحدّيًا لأكبر ثلاث قوى مسيحية أساسية في البلد، إضافة إلى “القوى التغييرية” وعدد من المستقّلين.
وهذا الغموض الذي قد يكون مقصودًا لم يجعل الرئيس بري يعدّ للعشرة فدعا إلى جلسة في 14 الجاري. وعلى رغم هذه الدعوة فإن تكرار مشهدية الجلسات السابقة، التي لم تكن سوى نوع من مسرحية مضحكة – مبكية، ستكون هي الطاغية في الجلسة الثانية عشرة. وهذا يعني، وعلى الطريقة اللبنانية، أن ظروف انتخاب رئيس جديد للجمهورية لم تنضج بعد، لأن كلا الطرفين لا يزالان غير مقتنعين بالحلول الوسطية، أي أن إمكانية التفاهم على مرشح ثالث يكون مقبولًا من الجميع غير واردة في ظل المعطيات السياسية القائمة على الساحة المحلية، مما يحتّم تدخلًا خارجيًا لفرض مرشح ثالث لا يكون محسوبًا على هذا الفريق أو ذاك الطرف.