يعتقد الكثير من اللبنانيين ومن غير اللبنانيين أن “يوسف بك كرم” الرجل اللبناني الذي جمع في حياته بين الايمان والعمل السياسي، أصبح قديساً في الكنيسة الجامعة، لكن الحقيقة ان سيرة حياته وبطولاته وجثمانه الصامد والمُسجّى في كنيسة ما جرجس في إهدن، شكلوا عناصر اساسية لنظرة القداسة التي يرى فيها الناس المُدافع الدائم عن لبنان “يوسف بك كرم”.
لكن وعلى الرغم من هذه النظرة ومن صيت القداسة الذي يرافق “يوسف بك كرم”، لم تقدم الكنيسة المارونية التي ينتمي اليها على فتح ملف امكانية دراسة تكريمه أو تطويبه.
وفي هذا الاطار، برز مؤخراً المرسوم الصادر عن البطريركية المارونية في بكركي بعد انعقاد السينودس المقدس للكنيسة المارونية، والذي قضى بإنشاء لجنة تدرس إمكانية فتح دعوى تطويب يوسف بطرس بك كرم.
وجاء في المرسوم الصادر بتاريخ 7 حزيران 2023، الاتي:”بناء على طلب سيادة أخينا المطران جوزاف نفاع نائبنا البطريركي العام في إهدن -زغرتا مع كهنة الرعايا بتاريخ 7 حزيران 2023 ملتمسين السماح لدرس إمكانية فتح دعوى تطويب يوسف بطرس بك كرم (1823 -1889) المتوفي في رائحة القداسة.
وبعد تداول آباء السينودس المقدس هذا الأمر كان القرار بإنشاء لجنة تدرس هذه الإمكانية وتقدم لنا تقريرها في الوقت المناسب. بناء عليه نعيّن لجنة مؤلفة كالاتي:
1- المطران جوزاف نفاع رئيساً
2- المطران حنا علوان خبيراً في قوانين دعاوى القديسين
3- المطران ناصر – مارون الجميل اختصاصياً في تاريخ الكنيسة
4- المطران جوزاف معوض أختصاصياً في اللاهوت
5- المطران الياس الجمهوري اختصاصياً في الروحانيات
6- المونسنيور اسطفان فرنجيه ممثلًا كهنة إهدن-زغرتا”.
وبتاريخ 31 كانون الثاني 2021، كتب محمد شهابي في صحيفة “النهار” النبذة التالية عن كرم:
“في 31 كانون الثاني من عام 1867 غادر يوسف بك كرم لبنان، متّجهًا إلى أرض المهجر، بعدما رفض القبول بالاتفاق الذي جرى بين ممثلي الدولة العثمانية ودول الخارج، حول تأسيس حكم ذاتي في جبل لبنان، يدعى المتصرفيّة. كان يوسف، مناضلًا كبيرًا من بلدة إهدن الشمالية، قاتل العثمانيين وانتصر عليهم، عندما كان في الـ23 من عمره. واستمرّ نضاله حبًّا لوطنه وأرضه وشعبه، على الرغم من التضييق عليه وملاحقته، إذ أصدرت السلطات العثمانية مكافأة مالية، لمن يأتي بيوسف حيًّا أو ميتًا. وقبل مغادرته للبنان إلى الخارج، كانت أحداث سياسية عديدة تدور في تلك المرحلة. إذ وقعت عام 1861، مجازر عديدة طالت المسيحيين تحديدًا، نفّذها عدد من ولاة المناطق في بيروت ودمشق، وعلى إثر هذه المجازر تدخّلت الدول الغربية وأرسلت الآلاف من جنودها إلى لبنان، حيث تمّ الاتفاق بينها وبين السلطات التركية، على تأسيس متصرفيّة جبل لبنان، وقضى بموجبه تعيين متصرّف مسيحيّ كاثوليكيّ من السلطنة على لبنان، ومجلس إداريّ وعساكر مؤلفة من عناصر لبنانية يهتمون بالأمن والسلم. وقعت الدول الغربية في خطأ جسيم، إذ عيّنت متصرّفًا غير لبنانيّ على لبنان، في مخالفة واضحة لروح ونصّ البروتوكول الذي وافقوا عليه، متسبّبة بالحوادث التي وقعت تباعًا. رفض اللبنانيون أن يحكمهم متصرّف من غير جنسيّتهم، واعتبروا ذلك تجسيدًا وتشريعًا لاحتلال آخر لهم. وعليه عمل داوود باشا المتصرّف الذي تمّ تعيينه، بسلطات إدارية وتشريعية كاملة، على استمالة القيادات اللبنانية، وعلى رأسهم يوسف بك كرم، الذي طلب منه استلام زمام القوّات العسكرية، لكنّ يوسف رفض ذلك. ومنذ أن رفض يوسف عرضاً أن يكون المتصرّف، حتى بدأوا يعدّون العدّة والمكائد لاتهامه بالوقوف ضدّ السلطنة العثمانية والتحضير لانقلاب ضدّها. ونجحوا في نفيه بعيدًا، إلّا أنّ يوسف بك قد استطاع العودة سرًّا. ومع أنّ يوسف بك، كان يفضّل الحوار على النضال العسكري، إلّا أنّه وبعد مدّة من ازدياد البطش ضدّ اللبنانيين، توصّل إلى فكرة أنّ الحوار لم يعد مجدٍ، فقاوم مع الإهدنيّين الوجود التركي، وأنشأ جيشًا، وزحف به، نحو المناطق اللبنانية، ومع كلّ قرية أو مدينة يدخلها، كان الفرح يعمّ أهلها. ومع بلوغ يوسف بكفيّا، فرّ داوود باشا من مركزه في دير القمر، باتّجاه بيروت، وراسل هناك القناصل الغربيين، مهددًا إيّاهم، إمّا أن يرحل هو أو أن يرحل يوسف عن لبنان. فطلب القنصل الفرنسي من يوسف اجتماعًا، فوافق الأخير عليه وحضره، فصرّح القنصل لكرم: “اذا أردت أن تؤكّد للدولة الفرنسية حبك وولاءك لها، فإنّ جلالة الأمبراطور نابوليون الثالث يمنحك حمايته الخاصّة. وأنا الآن أخاطبك باسم جلالته وأصرّح أنّ الأمبراطور يمنح الحماية لرفاقك المعتقلين، وأنّ المتصرّف يحترم اللبنانيين ويحافظ على أملاكهم”. لم يستطع يوسف، أمام هذه العهود والضغوط إلّا أن يستجب راضخًا، مع أنّ جيشه كان قد حقّق تقدّمًا كبيرًا، لكن الضغوط الدوليّة كانت أقوى منه، ففضّل استقرار لبنان وحقن الدماء على تحقيق حلمه، وقد بذل يوسف كثيراً من نفوذه لإقناع الجماهير الغاضبة، التي كانت ترفض عقد الصلح ومغادرة زعيمها لبنان. فصرخ أحدهم في الاجتماع: “يا بيك ما رح يرحمك التاريخ. فأجابه كرم مقولته الشهيرة: فلأضحِّ أنا وليعشْ لبنان”.