نظريتان متناقضتان رافقتا تصريحات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الأخيرة المرتبطة بالإستحقاق الرئاسي، إذ إن الرجل اعطى إشارات متناقضة خلال خطاباته الأخير أوحى من خلالها بالتصعيد حيناً وبالإستعداد للنزول عن الشجرة أحياناً من دون أن يعني ذلك أن المفاوضات التي تحدث معه وصلت الى خواتيم سعيدة او إيجابية، سواء مع “حزب الله”او مع قوى المعارضة.
النظرية الأولى تقول إن باسيل قرر إنهاء التفاوض مع “حزب الله” بشكل سريع، وعدم التورط بمفاوضات وحوار عميق يؤدي في نهاية المطاف الى سيطرة الحزب على مفاصله وإقناع باسيل، بشكل أو بآخر، بالسير بفرنجية أو بتأمين النصاب الدستوري له، لذا أعلن باسيل الشروط التعجيزية التي لن يستطيع الحزب الموافقة عليها او تبنيها.هذه النظرية تؤكد أن إلزام باسيل نفسه بحدود معينة في الحوار، وإعلان ذلك أمام الرأي العام لا يعني نزولا عن الشجرة بل صعود اليها، اذ لن يتمكن من التنازل مجددا واعطاء الحزب ما يريد الا بشروط صعبة جدا، كان من الممكن ان يطرحها في الجلسات المغلقة لكنه قرر الاعلان عنها بشكل مباشر ليلزم نفسه بها أمام جمهوره وبيئته الشعبية.هذا الأمر يفشّل التفاوض بين باسيل والحزب عمليا، وفق اصحاب هذه النظرية، ويجعل التقدم بالحوار أمرا شبه مستحيل، لكن نظرية أخرى متناقضة تقول بأن باسيل بدأ سياسة التنازل وأعلن للمرة الاولى إستعداده للسير بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لا بل بالتصويت له في حال حصل على بعض المكاسب ذات الطابع الشعبوي التي يمكنه إرضاء جمهوره بها.وبحسب هذه النظرية فإن باسيل لم يصر، عند طرح اللامركزية، على اللامركزية المالية وهي العنوان الأكثر إشكالية عند طرح هذه الفكرة، انما تحدث عن اللامركزية الادارية التي يمكن ان يحصل عليها من قبل”حزب الله” وحركة أمل وربما اطراف آخرين على اعتبارها موجودة في اتفاق الطائف ويجب تطبيقها ويمكن وضع حدود واضحة لها.من الواضح بأن باسيل إستغل لحظة سياسية بالغة الحساسية لكي يطرح عرضه على القوى السياسية، فهذا العرض جاء بعد تراجع الدعم الفرنسي لرئيس تيار المردة، وبالتالي شعور “الحزب” و”قوى الثامن من اذار” بحاجتهم لتعويض الغطاء الخارجي بغطاء داخلي مسيحي تحديدا لإستعادة التوازن في الكباش الرئاسي، لكن هل فعلا سيتمكن باسيل من مفاوضة الحزب والحصول منه على كل تلك المكاسب؟