أعادت الإشتباكات الدائرة في مخيّم عين الحلوة إلى الأذهان موضوع السلاح غير الشرعيّ الذي بحوزة المنظّمات الفلسطينيّة، وسط خشية من أنّ يُعاد سيناريو مخيم نهر البارد عام 2007. ففي المخيّم الجنوبيّ هناك خارجون عن القانون يتحصّنون فيه، والإشكالات الأمنيّة المتكرّرة في داخله لا تُنذر بالخير أبداً، بالتوازي مع إطلاق فصائل صواريخ باتّجاه الأراضي المحتلّة كل فترة، واستعمال لبنان ساحة للصراع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ.
واللافت أنّ هذه المرّة طالت الإشتباكات حاجزاً للجيش، إضافة إلى أنّها عرّضت حياة مواطنين لبنانيين للخطر، وخصوصاً في المناطق المجاورة للمخيّم. وقد سارع العديد من النواب والشخصيّات المسيحيّة “السياديّة” إلى مطالبة الدولة بالتدخّل سريعاً لوضع حدٍّ للمواجهات، والأهمّ حصر السلاح بيدّ القوى العسكريّة الشرعيّة فقط، كيّ لا يأخذ القتال القائم في عين الحلوة بعداً أمنيّاً آخر، ويتمدّد إلى بقيّة المخيّمات، ما سيدفع البعض في الداخل إلى التسلّح والأمن الذاتيّ، كما كان الأمر عليه قبل وبعد اندلاع الحرب عام 1975.وأمام الدعوات بالتهدئة من جهّة، والمطالبات بفرض النظام في المخيّمات الفلسطينيّة، لا يبدو أنّ إمكانيّة نزع السلاح واردة في الوقت الراهن. ففي فلسطين تشتدّ التصادمات بين الفلسطينيين والعدوّ الإسرائيليّ، وقد وحّدت إيران منذ فترة وجيزة الساحات المقاومة في لبنان وفلسطين، وقد زار وفدٌ فلسطينيّ بارزٌ الضاحيّة الجنوبيّة في وقتها، والتقى الأمين العامّ لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله.ويعني هذا الواقع الجديد أنّ سلاح الفصائل الفلسطينيّة أصبح مرتبطاً بسلاح “الحزب”، ومن دون أيّ قرارٍ إيرانيّ، يصعب جدّاً نزع عتاد المنظّمات داخل المخيّمات. وصحيحٌ أنّ “حزب الله” يمون على الفصائل، وهو قادرٌ على تهدئة الأمور في ما بينها، لكنّ موضوع السلاح بات خارج صلاحياته. وفي الأصل، هو بحاجة لمجموعات معاديّة لإسرائيل، وقادرة على توجيه رسائل لها من دون أنّ يدخل هو في حربٍ مباشرة معها، وبشكل خاصّ بعد الذي يحصل في الضفة الغربيّة وغزّة، وتلويح الإحتلال بشنّ عمليّة واسعة أخرى هناك.ومن شأن توحيد الساحات ضدّ إسرائيل، أنّ يدفع البعض في لبنان إلى مباركة وجود السلاح بين “الممانعين” أكثر، ويخلق إختلافاً جديداً مع اللبنانيين المطالبين بأنّ تكون الدولة هي من تتحكّم بأمن المخيّمات التي أصبحت مقصداً للمطلوبين ولكلّ هاربٍ من وجه العدالة، أو للكثير من الإرهابيين. فمخيّم عين الحلوة هو عيّنة من مخيّم نهر البارد سابقاً، وربما الوضع فيه أخطر حتّى.إلى ذلك، فإنّ هناك شكوكاً بإسناد الأمن إلى “فتح” أو غيرها من الفصائل الفلسطينيّة، فالحركة تُشارك مباشرة في الإشتباكات في عين الحلوة، وهناك إشكالات متكرّرة بين عناصر تابعين لها، وآخرين، بينما يبقى الجيش وحواجزه خارج نطاق المخيّمات. وأكثر من ذلك، فإنّ ملاحقة المطلوبين وتسليمهم إلى الجهّات اللبنانيّة تتمّ عبر وساطة المنظّمات، وهو أمرٌ غير مقبول، فالمخيّمات كانت ولا تزال أماكن خارجة عن سيادة الدولة والقانون والعدالة.ولأنّ هناك تعاطفاً مع القضيّة الفلسطينيّة، يقول مراقبون إنّ هذا السبب هو العائق الأوّل الذي يقف أمام نزع السلاح الفلسطينيّ، وقد تتشجّع جهّات أخرى للتسلّح في ظلّ عدم حلّ هذه الظاهرة منذ اتّفاق الطائف، والقرار 1559. فالقرارات الدوليّة لم يُطبّق شيء منها لناحيّة سيادة الدولة اللبنانيّة، لأنّه بحسب المراقبين، الأمر يتعدّى قدرة الحكومة على مناقشة موضوع الإستراتيجيّة الدفاعيّة والسلاح غير الشرعيّ، وكما ذُكر سابقاً، فقد تثبّتت فكرة توحيد الساحات لتفرض على اللبنانيين واقع أنّ يعيشوا في مناطق خاضعة للقوى الأمنيّة، وأخرى خارجة عن القانون.وأيضاً، الفلسطينيّون ليسوا مستعدّين لتسليم سلاحهم، لأنّ أراضيهم لا تزال محتلّة. من هنا، يرى المراقبون أنّ نزع هذا السلاح تشوبه الكثير من العقبات، مثله مثل سلاح “حزب الله”، ومعالجته تتطلّب معادلة جديدة في المنطقة، أساسها الإعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس، ودعم الأمم المتّحدة والدول الغربيّة عودة اللاجئين، والحدّ من توسّع المستوطنات وإيقاف العمليّات العدائيّة والإغتيالات الإسرائيليّة بحقّ الشعب الفلسطينيّ.
