على مسافة اسابيع قليلة من العودة “المفترضة” للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، يبدو أنّ الأمور باتت “أكثر تعقيدًا” على أكثر من مستوى، وأنّ الحوار الذي كان كثيرون يراهنون عليه لإحداث “الخرق” أضحى أصعب بكثير ممّا كان متوقَّعًا، وذلك للكثير من الأسباب والاعتبارات، التي لا يمكن “حصرها” بالرسالة التي وجّهها الرجل إلى مجموعة من النواب، بمعزل عن النوايا “الصافية” التي انطلق منها.
يقول العارفون إنّ قوى المعارضة، حين أطلقت معادلة “لا للحوار مع حزب الله”، في بيانها الشهير الأسبوع الماضي، لم تكن تردّ بصورة “انفعالية” على رسالة لودريان، بل إنّ “الرسالة” لم تكن قد وصلتها، عندما صاغت البيان، الذي أعِدّ على وقع استعادة سرديّة “المواجهة مع حزب الله”، التي أحيتها حادثة الكحالة، والتي يبدو أنّها أحيت أيضًا “حنين” الكثير من قوى ما كان يُعرَف بـ”14 آذار”، إلى زمن “ثورة الأرز”.
لكنّ المعارضة ببيانها هذا، معطوفًا على “استنفارها” ضدّ رسالة لودريان، التي اتُخِذت ذريعة للتصويب على “الوساطة الفرنسية” ككلّ، بدت وكأنّها “تنعى” مهمّة الرجل قبل عودة كان قد وصفها بـ”الفرصة الأخيرة”، ما يطرح أكثر من علامات استفهام، فأيّ “بديل” تطرحه المعارضة في معرض “إطاحتها” بالحوار المرتقب؟ وكيف سيتعامل الوسيط الفرنسيّ مع الموقف المستجدّ، ولا سيما بعد الحديث عن احتمال “تأخير” لودريان عودته؟
المعارضة “ثابتة” على موقفها؟
ترفض أوساط المعارضة الاتهامات الموجّهة إليها بـ”الإطاحة” بما سُمّيت “فرصة أخيرة”، في سبيل “شعبوية” مواجهة غير متوازنة مع “حزب الله”، كما يقول الخصوم، كما ترفض مطالبتها بطرح “البديل”، لسبب جوهريّ برأيها، وهو أنّ “البديل” موجود، وبسيط، ولا تنفكّ تذكّر بها في كل يوم، وهو الالتزام بمقتضيات الدستور، والذهاب إلى “انتخاب” رئيس الجمهورية، وفق الآلية الدستورية، بعيدًا عن منطق الصفقات والتسويات “غير الديمقراطية”.
لا تنفي هذه الأوساط أنّ المعارضة كانت “تدرس” فكرة المشاركة في ما سمّاه لودريان “اجتماع عمل”، وأن بعضًا من مكوّناتها كانت تميل للمقاربة الإيجابية، فيما بعضها الآخر كان رافضًا بالمطلق، كما لا تنفي أنّ الأولوية بالنسبة إليها كانت التوصّل إلى موقف “موحّد”، لكنّ ما حصل منذ حادثة الكحالة أعاد رسم كلّ “الأولويات” وفق أصحاب هذا الرأي، ولا سيما بعدما أضحى واضحًا للجميع أنّ الحوار مع “سلاح غير شرعي” لا يمكن أن يجدي نفعًا.
لا يعني ما تقدّم أنّ قوى المعارضة تغلق الباب بالمطلق أمام “الوساطات الخارجية”، والمبادرة الفرنسية ضمنًا، رغم كلّ الملاحظات على الأداء منذ تبنّي مرشح “حزب الله” إلى ورقة “امتحان” لودريان غير المفهومة برأيها، لكنّها تعتبر أنّ أي وساطة من هذا النوع يجب أن تلبّي سلسلة من المعايير والشروط، وأن تكون بالحدّ الأدنى، “متناغمة” مع بيان اجتماع “الخماسية” الأخير في الدوحة، والذي لوّح بإجراءات ما كان يفترض أن تعني استبدال “الحوار” بـ”اجتماع عمل”.
الوساطة الفرنسية لم تنتهِ
في المقابل، يقول العارفون إنّ الوساطة الفرنسية لم تنتهِ على الأرجح، على الرغم من كلّ الضجة، التي قد تكون “مفتعلة” في جانبٍ منها، ولا سيما أنّ فرنسا قد لا تتحمّل إعلان “فشل” مبادرتها في هذه المرحلة، علمًا أنّ لودريان كان يتوخّى من الرسالة التي وجّهها، الوصول إلى قواسم مشتركة “ثابتة” بين مختلف الفرقاء تشكّل منطلقًا لاجتماع العمل الموعود، ولم يكن يرغب بـ”استفزاز” أيّ فريق، كما فُهِم في بعض الأوساط.
وبمعزل عمّا إذا كانت الرسالة قد شكّلت “خطوة ناقصة” في العرف الدبلوماسي، وفي العلاقات بين الدول أم لا، يقول العارفون إنّ الفرنسيّين “يستوعبون” أنّ المشكلة “أبعد” من الرسالة، وأنّ الرسالة اتُخِذت ربما “ذريعة” ليس إلا، ويعربون عن اعتقادهم بأنّ باريس تبحث عن “مَخرَج ملائم” يسمح لها باستعادة زمام المبادرة، وتعويض ما فات، بدفعٍ ربما من الشركاء في “الخماسية الدولية”، التي “يَمون” أعضاؤها على مختلف الأطراف.
وإذا كان خيار “تأخير” عودة لودريان مطروحًا، ريثما تتبلور الصورة أكثر، فإنّ السؤال الذي “يؤرق” الفرنسيّين وسط هذه المعضلة يتمحور حول ما إذا كان اللبنانيون يريدون فعلاً حلّ أزماتهم، إذا ما كان فريق يعلن “القطيعة” مع فريق آخر، وهو يدرك “استحالة” انتخاب رئيس من دون التفاهم معه، ولا سيما أنّ مبدأ “الجلسات الانتخابية المتتالية” يصطدم بمبدأ آخر، ولو كان بنظر البعض “بدعة”، يتمثّل بسلاح “تعطيل النصاب”.
رغم كلّ ما تقدّم، تبقى “القناعة” راسخة لدى كثيرين بأنّ الحوار سيلتئم بشكلٍ ما في نهاية المطاف، لكنّ “الحساسيّة” قد ترتبط بظروف هذا الحوار، وسط مخاوف من أن تقود أحداث “دراماتيكية” إليه تلقائيًا، بعدما رُفِض بـ”السلم” إن جاز التعبير. لكن قبل البحث بهذا الخيار، ثمّة من يدعو إلى انتظار نتائج الحوار بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، وهو حوار قد يقلب المعطيات إذا ما أفضى إلى شيء ما قبل نهاية الشهر!