بالرغم من إنكفاء المملكة العربية السعودية عن الشأن اللبناني وعدم دخولها في الزواريب والتفاصيل اللبنانية منذ سنوات، إلا أن الحضور السعودي في لبنان لا يزال على حاله، وإن كان تأثيره قد تراجع بحكم الرغبة السعودية وضعف بعض حلفائها الذين يمكن “تعويمهم” بقرار سياسي يؤخذ في الرياض. في المحصلة لا يمكن الحديث عن نهاية النفوذ السعودي لمجرد أن المملكة قررت الإبتعاد قليلا عن التفاصيل.
بالتوازي مع مناقشة التسوية المقبلة، بقيت الرياض على حذرها، ولم تنزلق الى اللعبة اللبنانية التقليدية ولم يكن لها أي دور مباشر في الدفع بإتجاه هذا المسار او ذاك، ولم تدعم كذلك، بشكل علني، هذا المرشح الرئاسي او ذاك، كل ما فعلته أنها خففت من حدة موقفها اللامبالي واعطت إيحاءات بأنها تغطي الدور الفرنسي ولن تقوم بعرقلة التسوية في حال حصولها.لكن الإهتمام الخارجي والداخلي بالموقف السعودي بالرغم من إنكفائه، يعطي مؤشرا واضحا عن حجم تاثيره بالملف اللبناني، اذ ان باريس بالتوازي مع جهودها لبنانياً، عملت بشكل حثيث على الوصول الى الضوء الأخضر من الرياض لكي تتمكن من التقدم السريع في مسار التسوية بين الفرقاء وهذا ينعكس بشكل أو بآخر على مواقف بعض القوى السياسية الفاعلة في الإستحقاق الرئاسي اقله.يقف حلفاء المملكة الأساسيين في لبنان وتحديدا الحزب التقدمي الإشتراكي وعدد لا بأس به من النواب السنّة، على الحياد عملياً، بالرغم من مواقفهم واصطفافاتهم التكتيكية، إلا أنهم ينتظرون الموقف الحاسم من الرياض بشأن الإستحقاق الرئاسي.ولعل ما سمعه البعض قبل أشهر من السفير السعودي في لبنان وليد البخاري ساهم في تحديد مسارهم السياسي ودورهم في المعركة الرئاسية.لكن اللافت أيضا، أن “حزب الله” اليوم وبالرغم من عدم حصول أي تهدئة او حوار مباشر بينه وبين الرياض، الا انه غير راغب في الذهاب نحو اي تسوية لا تكون السعودية جزءاً منها، حتى انه لن ينتخب مرشحه الرئاسي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من دون الإتفاق مع الرياض بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا نقل سابقاً ضمن القنوات الديبلوماسية الناشطة بين الطرفين.لا يمكن للبنان الإنتقال الى مرحلة الإستقرار الاقتصادي والسياسي، إلا في حال كانت السعودية، كما غيرها من الدول المؤثرة بالساحة اللبنانية، راضية عن التسوية المرتقبة، وهذا ما يعرفه الجميع، لذلك فإن الحذر من تجاوز السعودية يسيطر على القوى المحلية والقوى الغربية أيضا، التي تحاول بإستمرار معرفة حقيقة التوجه السعودي قبل الإنطلاق نحو اي حراك تسووي جديد.