اللافت وسط المشهديَّة القائمة هي زيارة قائد الجيش العماد جوزاف عون، صباح اليوم الخميس، اللواء الأول في صيدا حيثُ تفقد الوضع الميداني في ضوء التطورات في المُخيم. الجولة المفاجئة هذه تحمل دلالات مهمة وفيها تأكيد على أن الجيش يرصد كافة الأمور ويضعها في إطار متابعة جدّية.
ما سيحصلُ من تطورات في “عاصمة الشتات الفلسطيني” سيكونُ محضر بحثٍ على طاولة هيئة العمل الفلسطيني المُشترك التي ستعقد إجتماعاً طارئاً لها اليوم الخميس في سفارة دولة فلسطين في بيروت.
بحسب معلومات، فإنَّ “فتح” ستكونُ حاسمةً في خيارها وقد أخذت الضوء الأخضر من قيادتها في رام الله بأنهُ لا تراجع عن مطالبها الميدانية في المخيم، فإمّا تسليم جماعتيْ “جُند الشام” و”الشباب المُسلم” لقتلة العرموشي بـ”التي هي أحسن” وإمّا خوض معركة كبرى ضد المسلحين بالتنسيق مع الجيش.
ما سيقوله مسؤولو “فتح” خلال الإجتماع المُرتقب اليوم سيكونُ مكمّلاً لكلامِ المُشرف على الساحة اللبنانية في الحركة عزام الأحمد يوم أمس من السراي الحكومي، إذ قال إن “المُهلة لتسليم المطلوبين محدودة وغير مفتوحة، كما أنّ كافة الخيارات واردة وموجودة”.
مع هذا، ترجح المعلومات ألّا يكون كلام “فتح” هذه المرّة ودياً خلال الإجتماع، فالعتابُ سيكونُ حاضراً بسبب تغاضي مختلف الفصائل الفلسطينية عن مُساندتها وتحديداً في تشكيل القوة الفلسطينية المُشتركة التي كان من المفترض أن تساهم في جلب المطلوبين بإغتيال العرموشي.
انقلاب من “حماس” بكل بساطة، المعركة باتت “وجودية”، وما تكشفهُ الوقائع الميدانية يُشيرُ إلى أنَّ الضغط على “فتح” ليس عادياً بل هو مُخطّط ومنسّق له بإتقان وتحديداً من خلال تحريك جماعاتٍ أصولية لها باعٌ طويل في إثارة التوتر داخل لبنان.
أمام كل هذه المُعطيات، يبدو أن صبر “فتح” بدأ ينفدُ بعدما وجدت أنّها مُطوّقة من جهات فلسطينيّة تسعى للإنقضاض عليها عسكرياً وسلطوياً من الداخل، والإتهاماتُ في هذا الأمر سيقت باتجاه “حماس”.
خلال يوم الثلاثاء، كان الإجتماعُ بين قيادتي “فتح” و “حماس” ودياً، لكنه سرعان ما تحوّل التقارب إلى “إبتعاد”، وهو أمرٌ أثار إستياءً عارماً لدى قادة حركة “فتح” الذينَ وجدوا في “حماس” خصماً يريدُ ضرب “فتح” والإنقلاب عليها في المخيمات عبر مجموعاتٍ يجري تحريكها بأساليبَ مشبوهة عسكرياً ولوجستياً.
أما الأمر الأكثر بروزاً فيتمحورُ حول وجود معطيات تتحدثُ عن تأييد السفارة الإيرانية في بيروت وبشكل خفيّ لما تقومُ “حماس” على أكثر من صعيد وتحديداً في ما خصّ ملف المخيمات. اللافتُ يوم أمس هو أنَّ القياديّ في حركة “حماس” موسى أبو مرزوق أطلق رسالتين ناريتين باتجاه “فتح” عقب الإجتماع معها قبل يومين، وقال: “المسؤول عن الأمن يجب أن يكون قوة مشتركة وليس فصيلا واحدا”، فيما قال أيضاً وتحديداً بعد آخرِ تصريحٍ لعزام الأحمد: “ما يجري في مخيم عين الحلوة الآن هو تدميرٌ للمخيم تحت عنوان محاربة الإرهاب ولكن من دون نتائج حقيقية تُذكر..
حاولنا جاهدين مساعدة من هو في مأزق لكنّ التعهدات التي قُطعت لنا بلا معنى”.
إذاً، ما يقوله المرزوق يدلّ على أمرين لا ثالث لهما: الأول وهو أنّ أي تسوية في عين الحلوة لن تكون إلا حساب كسر سلطة “فتح” على المُخيمات، فيما الأمر الثاني يشيرُ إلى اعتبار المرزوق “فتح” بأنها جهة تُدمّر عين الحلوة من بوابة مواجهة مطلوبين بتهم “الإرهاب” فيما لم تتمكن حتى الآن من تحقيق إنجاز ميداني.
في ما خصّ النقطة الثانية، فإنَّ مصادر “فتح” رأت في كلام المرزوق بمثابة تصويرٍ للحركة على أنها ضعيفة وأن ما تقومُ به لا يخدم هدفاً جيداً بل هو تدميري، وتضيف: “ما يجري هو شيطنة لفتح وحربها ضد الإرهاب حالياً، ولهذا السبب سيرى الجميع من هي فتح وكيف تتحرّك وما ستنجزه وكيف ستحمي المُخيم”.
بدورها، تقولُ مصادر في “حماس” عبر “لبنان24” إنّ “الحركة ملتزمة بعدم التصعيد مع أي طرفٍ فلسطيني لأن ذلك يخدم العدو الإسرائيلي”، نافية أنّ يكون مخطط “حماس” هو إنقلاب كما يقال، وتضيف: “فلتكن هناك قوّة مشتركة يتم تأسيسها بإجماع كافة الفصائل.. ما الذي يمنعُ ذلك؟ هذا هو مطلب فتح وحماس أيضاً.. فليتم إنجاز هذا الأمر”.
في المقابل، تقول مصادر “فتح” لـ”لبنان24″ بشأن القوة الأمنية: “حينما طُلب من حماس أن تساهم بتشكيلها من أجل جلب قتلة العرموشي، تنصلت وماطلت ولم تُقدم أي عنصر.. الآن ومن أجل تقسيم أمن المخيم، باتت حماس تهرول نحو تأسيس القوة.. ما يبدو هو أنّ الأجندات باتت تكشف عن نفسها على أرضِ الواقع”.
تطورات ميدانيَّة عنيفة ولأول مرة منذ اندلاع التوتر منذ تموز الماضي، فوجئ سُكان المناطق المحيطة بالمُخيم منتصف هذه الليلة بإلقاء قنبلة مُضيئة في سمائه وتحديداً فوق منطقتي التعمير التحتاني والطوارئ حيثُ يتحصن مسلحو جماعتي “جند الشام” و “الشباب المسلم”.
وفعلياً، فقد تضاربت المعلومات بشأن مصدر القنبلة، فمن جهة قيلَ أنها من “فتح”، فيما قالت مصادر ميدانية إنه ليس لدى الحركة مثل هذه القدرات العسكريّة.
وخلال الليل، بقيَ التوترُ سيّد الموقف بعدما تصاعدت حدّة الإشتباكات الأربعاء، وأسفرت عن مقتل 7 أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين. ميدانياً، تركّزت الإشتباكات عند المحاور التالية: حطين، الرأس الأحمر، التعمير التحتاني، البركسات، في حين أفيد عن حدوث توتر داخل حي صحون – الرأس الأحمر.
كذلك، دخل حي الصفوري على الخط بعدما شهد على إشكالٍ أدى إلى مقتل القائد العسكري في “تيار الإصلاح الديمقراطي في فتح” خالد أبو النعاج.
و”الصفوري” هي منطقة تشهدُ على سيطرةٍ المسؤول المفصول من “فتح” محمود عيسى المُلقّب بـ”اللينو”، وتقول مصادر إنّ الأخير لم ينخرط ضد الحركة خلال الإشتباكات بعكس ما قيلَ مؤخراً في أوساط المخيم.