هدأت الإشتباكات في “عين الحلوة”، بعد وساطات واتّصالات داخليّة وفلسطينيّة، أفضت إلى وقف إطلاق النار. ولكن تبقى الخشية من أنّ تكون هذه الهدنة الجديدة هشة أيضاً، تماماً كما حصل في المرّات السابقة، حيث ارتفعت وتيرة المواجهات العسكريّة في مختلف محاور المخيّم.
Advertisement
وفي هذا الإطار، أصبحت “عين الحلوة” تُشكّل خطراً كبيراً على لبنان واللبنانيين، والمخيّم يقترب تدريجيّاً من إعادة سيناريو “نهر البارد” إنّ اندلعت الإشتباكات من جديد، فالفصائل الفلسطينيّة قامت باستهداف الجيش، لإقحامه بالقوّة في الصراع الفلسطينيّ – الفلسطينيّ. كذلك، فإنّ صيدا تأثّرت كثيراً بهذه الجولات القتاليّة، والرصاص طالها بكثافة، إضافة إلى القذائف، ما عاد سلبيّاً على الحركة الإقتصاديّة في المدينة وفي المناطق الجنوبيّة ككلّ، لأنّها تُعتبر بوابة الجنوب، وشهدت حركة خجولة وحذرة جدّاً إنّ على الطرقات، وإنّ في أسواقها التجاريّة خلال المعارك، وخصوصاً في فصل الصيف وقدوم المغتربين والسيّاح.
ويجب الإشارة أيضاً إلى أنّ سكان صيدا هم من أشدّ الداعمين للقضيّة الفلسطينيّة تاريخيّاً، وهم في الوقت الراهن من أكثر المتضرّرين من الصراع الفلسطينيّ الذي جرى داخل مخيّم عين الحلوة، فالإشتباكات طالت منازلهم، وهدّدت حياتهم وأرزاقهم، في صورة أعادت إلى الأذهان ما كان يحصل قبل وبعد اندلاع الحرب الأهليّة عام 1975. فالأعمال العسكريّة، كذلك نوعيّة الأسلحة وكمّيتها، كلها تُشكّل علامات إستفهام وخوف من المرحلة المقبلة، إذ يبدو أنّ السلاح الفلسطينيّ يُستخدم مرّة جديدة لتهديد أمن اللبنانيين، وهناك رغبة بجرّ لبنان إلى مواجهات مع الفلسطينيين، إسوة بالذي حصل سابقاً في 13 نيسان 1975 في عين الرمانة، ولكنّ هذه المرّة سكان مدينة صيدا هم الذين يُواجهون هذا الخطر، إنّ لم تنجح المساعي في المحافطة على الهدنة.
أمّا من ناحيّة الحدود اللبنانيّة – السوريّة، فلا تزال مشكلة دخول السوريين خلسة إلى الأراضي اللبنانيّة تُشكّل أيضاً خطراً وجوديّاً على البلاد، وهذا ما عبّر عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في آخر جلسة لمجلس الوزراء. فهناك غياب لأعداد السوريين غير المسجّلين في لبنان، ولا يزالوان يتدفقون بكثافة عبر الحدود البقاعيّة، على الرغم من أنّ الوضع في سوريا مستقرّ.
وعند الحديث عن النازحين السوريين، يتوجب التذكير أنّ هناك مزاحمة سوريّة في سوق العمل للبنانيين، وبينما يدفع الكثير من المواطنين فواتير الكهرباء والمياه، هناك اللاجئون في المقلب الآخر لا يُسدّدونها، ما يزيد إستهلاك لبنان من الفيول والمياه والمحروقات والطحين وإنتاج الخبز، بينما تبقى إيرادات الدولة منخفضة.
وأيضاً، المشكلة التي تبيّنت أخيراً من آفة النزوح السوريّ إلى لبنان، تتمثّل بقدوم فئة شبابيّة تتراوح أعمارها بين الـ18 و30 عاماً. ويُحذّر مراقبون في هذا السيّاق من إستعمال الشباب السوريّ في أعمالٍ عسكريّة، لتفجير الوضع الأمنيّ في الداخل، فأعدادهم إلى ازدياد كبيرٍ، وقد تتخطّى نسبة كبار السنّ والأطفال والنساء المتواجدين داخل المخيّمات السوريّة.
ويُضيف المراقبون أنّ هناك جدلاً حول تدفقّ السوريين بهذه الأعداد إلى لبنان، في الوقت الذي تزداد فيه المطالبات في الداخل بإعادة اللاجئين إلى بلادهم، وسط معارضة غربيّة لهذا الأمر، بحجّة أنّ الرئيس السوريّ بشار الأسد لا يضمن سلامتهم. ويُشيرون إلى أنّ الخطر أصبح يتهدّد اللبنانيين من جهّتين، الأولى بسبب اللاجئين الفلسطينيين في المخيّمات، والثانيّة جراء حركة النزوح السوريّة غير البريئة.
وأمام كلّ ما تقدّم، يتّضح أنّ لبنان لم يعدّ يستطع تحمّل أعباء اللاجئين، ففي عين الحلوة هناك غياب للأمن داخل المخيّم، وخارجون عن القانون يتمركزون فيه، ولا سلطة للدولة عما يجري في داخله، وقد تمتدّ شرارة الإشتباكات إلى المناطق اللبنانيّة المحيطة به. إلى ذلك، فإنّ هناك خشية من أنّ تُستخدم أزمة النزوح السوريّ كما حصل في عرسال، عندما احتلّ الإرهابيون الجرود البقاعيّة، وأصبحوا يُشكّلون تهديداً مباشراً على أمن اللبنانيين.
من هذا المنطلق، فإنّ اللاجئين هم عبء على لبنان، ليس فقط في السنوات الماضيّة الأخيرة، وإنّما مشاكلهم كانت ولا تزال خطراً على اللبنانيين قبل العام 1975، وحتّى يومنا هذا. والمطلوب في الوقت الراهن التحرّك سريعاً من قبل الدولة والجيش لبسط الأمن في مخيّم عين الحلوة، تمهيداً لنزع السلاح الذي لا يخدم بتاتاً القضيّة الفلسطينيّة، وإنّما يُشكّل عامل إنقسام، ويزيد من إرتياح العدوّ الإسرائيليّ.
وأيضاً، المطلوب من الجيش ضبط الحدود والمعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة، وتأمين المستلزمات البشريّة والتقنيّة له كيّ يقوم بهذه المهمّة، إضافة إلى أنّ على الجهّات الرسميّة التحرّك سريعاً مع الدول الغربيّة وسوريا، فمجيء السوريين إلى لبنان أصبحت أهدافه واضحة المعالم، حيث هناك مساعدات بالدولار وتقديمات ومساهمات إجتماعيّة، بينما في دمشق، فإنّ الوضع المعيشيّ ينهار، وربما قد تمتدّ تظاهرات وإحتجاجات السويداء إلى مناطق أخرى.