منذ عملية “طوفان الأقصى” التي شنّتها المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول الجاري، وأحدثت “صدمة غير مسبوقة” لا يزال الإسرائيليون عاجزين عن استيعابها وفهمها، يلتزم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله “الصمت”، “صمت” لم تنجح في خرقه لا الحرب الإسرائيلية المتمادية على قطاع غزة، ولا العمليات التي تبنّاها “الحزب” في بيانات متسلسلة انطلاقًا من الجنوب اللبناني، والتي ترتفع وتيرتها يومًا بعد يوم.
Advertisement
وفي وقتٍ توقّع كثيرون أن تسرّع المجزرة المروّعة التي ارتكبتها إسرائيل بقصفها على مستشفى المعمداني في غزة، وأوقعت أكثر من 470 شهيدًا، موعد هذه الإطلالة، ولا سيما أنها فجّرت غضبًا عارمًا في مختلف الدول العربية والإسلامية، بقي الأمين العام لـ”حزب الله” على “صمته”، بل إنّ العلاقات الإعلامية في الحزب سارعت إلى نفي بعض التسريبات عن كلمة متوقّعة له، طالما أنّ أيّ إعلان رسميّ لم يصدر بهذا الشأن عنها.
أثار ذلك الكثير من الجدل في مختلف الأوساط، وسط تكهّنات عن سبب “صيام” الرجل عن الكلام منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى”، مع كلّ ما أعقبها من تطورات “دراماتيكية”، من الحرب في غزة، إلى قتل الصحافيين والمدنيين في جنوب لبنان، ليصبح السؤال الجوهري: هل “يكسر” السيد نصر الله “صمته” قريبًا؟ ومن يحدّد هذا التوقيت؟ وما حقيقة الحديث عن أنّ إطلالاته ستكون مقترنة بحدث “مفصليّ” على خط الحرب؟!
تكهّنات لا تنتهي
لا تنتهي التكهّنات حول إطلالة السيد نصر الله، وقد حُدّدت لها حتى الآن الكثير من المواعيد، من دون أن ترسو على برّ، فثمّة من تسرّع في اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” ليظنّ أنّ الكلمة ستكون في الليلة نفسها، وثمّة من اعتقد أنّ جريمة استهداف الصحافيين والمدنيين ستكون هي بوابة هذه الكلمة، فيما رجّح البعض أن تتزامن هذه الكلمة مع التحركات التي نظّمها “حزب الله” تضامنًا مع قطاع غزة في وجه الحرب الإسرائيلية الهمجيّة.
أكثر من ذلك، ذهب البعض ليتوقع “مفاجأة” من السيد نصر الله في “يوم الغضب” الذي دعا إليه “حزب الله” بعد مجزرة المعمداني، ليلتحق هذا الموعد بسوابقه، وتتحوّل إطلالة الرجل إلى “اللغز الأول” ليس للبنانيين والفلسطينيين فحسب، بل للإسرائيليّين أيضًا، الذين أطلقوا العنان بدورهم لمخيّلتهم وتكهّناتهم، من أجل تقدير موعد هذه الإطلالة، التي يبدو أنّها تحوّلت إلى “الحدث”، حتى قبل أن تبصر النور.
ولا يبدو أنّ التكهّنات ستبقى محصورة بموعد هذه الإطلالة، بل تشمل حيثيّاتها والأهداف المنشودة من خلفها، حيث يقرن الكثيرين هذه الكلمة بعاملين لا ثالث لهما، فثمّة من يعتقد أنّ مجرد تحديد موعد للإطلالة، يعني الانتقال إلى مرحلة متقدّمة من الحرب، قد تعني في العمق انخراط “حزب الله” فيها بشكل مباشر وواسع، وثمّة من يرى أن هذه الإطلالة مؤجّلة حتى تحقيق “انتصار كبير”، سيتولى السيد نصر الله تظهيره إلى الملأ.
“حرب نفسية”
صحيح أنّ هناك في المقابل بين خصوم “حزب الله” خصوصًا، من يعزو “صمت” السيد نصر الله، إلى عدم وضوح في الرؤية لديه، باعتبار أنّ الحزب ينتظر نضوج بعض المعطيات، قبل أن يحسم “مسار” الأمور من زاويته، ومن جملة ما ينتظره على سبيل المثال لا الحصر، مدى “الجنون” الذي قد يقدم عليه الإسرائيلي، ولا سيما في ما يتعلق بسيناريوهات واحتمالات الغزو البري، ليبني على الشيء مقتضاه، بصورة أو بأخرى.
لكن، في مقابل وجهة النظر هذه، التي قد تحتمل الصواب، باعتبار أنّ السيد نصر الله لن يخرج إلى العلن من دون أن يكون “حاسمًا” في مواقفه، يضع العارفون صمته في سياق “الحرب النفسية” مع العدو، والتي بات الحزب “يتقنها”، بل “يتفنّن” باعتمادها، وهو يدرك أنّ الإسرائيلي ينتظر هذه الإطلالة قبل أي أحد آخر، لعلّه “يطمئنّ” بموجبه إلى نوايا الحزب، ومدى استعداده لفتح “الجبهة”، وهو ليس جاهزًا ليقدّم له هذه “الهدية المجانية”.
ويشير العارفون في هذا الإطار، إلى أنّ “حزب الله” يعتبر تكتيك “الصمت” سلاحًا فعّالاً وسط كلّ هذه الفوضى، ولذلك فهو يكتفي بإصدار البيانات المقتضبة التي يتبنّى فيها صراحةً العمليات التي ينفذها، أو ينعى مقاتليه الذين يستشهدون “أثناء ممارسة واجبهم الجهادي”، من دون أن يقدّم الكثير من التفاصيل، تاركًا بذلك الإسرائيلي في “ضياعه” الذي بدأ فلسطينيًا مع عملية “طوفان الأقصى”، ويبدو أنه بلغ ذروته مع “صمت” السيد نصر الله.
لا يعني ما تقدّم أنّ “حزب الله” قد لا يخرق هذا “التكتيك” في أيّ لحظة، من دون أن يكون ذلك مقترنًا بالضرورة بإعلان “حرب ما”، كما يوحي بعض المتابعين. المهمّ في الأمر، بحسب ما يقول العارفون، هو أنّ “حزب الله” يريد أن يفرض هنا أيضًا معادلة أخرى، قوامها أنّه هو الذي يحدّد “الوقت المناسب” الذي يكسر فيها “صمته”، بمعزل عن كلّ شيء، ولعلّه بذلك يكرّس “توازن الرعب” مع العدو، ولو في سياق خاص!