إلى الواجهة، عادت “فكرة” التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون الذي تنتهي ولايته في العاشر من كانون الثاني المقبل، لتتصدّر النقاشات في الكواليس السياسية، على وقع “قرع طبول الحرب” الذي يتواصل في الداخل اللبناني، في ظلّ التوتر الحدودي الجنوبي، ولو بقي “مضبوطًا ومحدودًا”، وسط تساؤلات عن “السيناريو” الذي يمكن أن تذهب إليه البلاد في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية قبل مطلع العام المقبل.
Advertisement
ومع أنّ هناك من يعتقد أنّ الوقت لا يزال مبكرًا للبحث بـ”مصير” قيادة الجيش، خصوصًا أنّ اللبنانيين اعتادوا على “حسم” استحقاقاتهم في ربع الساعة الأخيرة، وربما بعده، وتحديدًا في أعقاب وقوع “المحظور” الذي الفراغ الذي يكاد يصبح “سُنّة الحكم”، فإنّ هناك من يجزم في المقابل بأنّ الموضوع مطروح بقوّة في البازار السياسيّ، وأنّه بات يتقدّم في المداولات السياسية بأشواط على استحقاق الانتخابات الرئاسية نفسه.
ثمّة من يذهب أبعد من ذلك، فيؤكد أنّ ما وُصِفت بـ”مبادرة” رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، لم يكن الهدف منها منع سيناريو الحرب أو تفاديه، بقدر ما كان عنوانها “منع التمديد لقائد الجيش”، فما حقيقة الأمر؟ وهل استشعر باسيل فعلاً أنّ التمديد لقائد الجيش بات “مسألة وقت” لا أكثر، استنادًا إلى الواقع الأمني المهتزّ؟ وهل حسم مختلف الأفرقاء موقفهم الحقيقيّ من احتمال التمديد للقائد فعلاً؟!
“الضرورات تبيح المحظورات”
على الرغم من أنّ فكرة “التمديد” لا تبدو محبّذة، على الأقلّ نظريًا أو افتراضيًا، بالنسبة لمعظم القوى السياسية، التي تعتبر أنّ “تداول السلطة” في كلّ المواقع يجب أن يكون الأساس، فإنّ بينها من يتسلّح بمقولة “الضرورات تبيح المحظورات”، ليعتبر أنّ تمديد قائد الجيش، ولو صُنّف من المحظورات، من الناحية المبدئية، قد يصبح أكثر من ضروريّ، لمنع أيّ “اهتزاز” في المؤسسة العسكرية، في ظروفٍ “ملتهبة” كتلك التي تشهدها المنطقة اليوم.وتحت هذا العنوان اتى اقتراح القانون الذي تقدمت به” القوات اللبنانية” بالامس.
ثمّة من يذهب أبعد من ذلك، ليعتبر أنّ المطلوب ليس التمديد لقائد الجيش فحسب، بل “تعزيز” المجلس العسكري بالمُطلَق، وبالتالي تعيين رئيس للأركان، وهو ما يطالب به “الحزب التقدمي الاشتراكي”، الذي يكاد يشترط مثل هذا التعيين قبل البحث بالتمديد لقائد الجيش، علمًا أنّ أصحاب هذا المنطق يعتبرون أنّ البلاد في “شبه حالة حرب”، وهي تتطلب بالحدّ الأدنى “تحصين” الأجهزة الأمنية، لا تركها “في عين العاصفة” كما هو حاصل.
يشدّد المؤيدون لمبدأ التمديد لقائد الجيش على وجوب مقاربة الموضوع بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيّقة، أو النكايات الشخصية، وبمعزل عن رغبات البعض بإبعاد هذا الشخص أو ذاك، بل انطلاقًا من المصلحة الوطنية العليا، فهل الوقت مناسبة لإدخال المؤسسة العسكرية في دهاليز السياسة وخلافاتها؟ وألا يفترض “شبح” الحرب الذي يلوح في الأفق، أخذ مصلحة الجيش في الاعتبار أولاً، لأنّه من يفترض به مواجهة كل السيناريوهات والاحتمالات؟
الموضوع سابق لأوانه؟!
لكن، في مقابل هذه الحجج، تنقسم آراء قوى سياسية أخرى، بين من يعارض التمديد بالمطلق، باعتبار أنّ هيكلية قيادة الجيش، كما غيرها من المؤسسات الأمنية، لا تعترف بشيء اسمه “شغور”، انطلاقًا من مبدأ استمرارية المؤسسة، ومن يعتبر انّ الوقت لا يزال مبكرًا لحسم الأمر، باعتبار أنّ الظروف “الساخنة” التي تعيشها المنطقة هذه الأيام، لا ينبغي أن تستمرّ حتى مطلع العام المقبل، تاريخ انتهاء ولاية قائد الجيش، ما قد يتطلب مقاربات مختلفة.
وإذا كانت العديد من القوى تفضّل “التريّث” في بحث الأمر، ومنها “حزب الله” الذي يقول العارفون بأدبيّاته إنّ تركيزه “منصبّ” في هذه الفترة على مسار الحرب في غزة والتوتر في الجنوب، بعيدًا عن ايّ استحقاقات أخرى، لا يخفى على أحد أنّ “التيار الوطني الحر” يرفض فكرة التمديد بالمطلق، وهو يعتبر أنّ ما حصل في مؤسسات أخرى، كالأمن العام مثلاً، يجب أن يسري على المؤسسة العسكرية، عبر احترام الدستور والقوانين.
يرفض “التيار” التذرّع بالظروف “القاهرة” من أجل تبرير التمديد لقائد الجيش، حيث يعتبر المحسوبون عليه أنّ الأوْلى بأصحاب هذا المنطق الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية أولاً، وتسهيل مثل هذا الانتخاب بدل عرقلته عبر رفض الحوار تارة، والتصويب على المبادرات تارةً أخرى، مشدّدين على أنّه خلافًا لما يحاول البعض ترويجه، فإنّ “البدائل” متوافرة، من خلال انتقال “سَلِس” للقيادة، من عون إلى شخصية عسكرية أخرى.
يعتبر “العونيّون”، أو المحسوبون على باسيل تحديدًا، أنّ المسألة “سياسية” بالدرجة الأولى، وأنّ بعض الداعين للتمديد لقائد الجيش لا يفعلون ذلك من باب “الغيرة” على المؤسسة العسكرية، بل “نكاية بباسيل”. لكنّ هذا المنطق يصطدم بآخر يقول إنّ الجيش بات “الضمانة الوحيدة” للبنانيين، ليس في زمن الحرب فحسب، بل السلم أيضًا، في ضوء الانهيار الذي ضرب كل القطاعات، فمن يتحمّل أيّ “اهتزاز” لا “انهيار” على خطه؟!
وسط كل هذه المعطيات كان لافتا ما جرى تعميمه ليل امس عن رأي الرئيس بري في اقتراح القانون المعجل المكرر الذي تقدمت به كتلة حزب القوات اللبنانية، حيث قال: «أنا لا اشرّع à la carte، ولا بحسب مزاجهم. ساعة يريدون، هم مع التشريع، وساعة لا يريدون، يقاطعون المجلس. أعرف ما عليّ فعله ولا احد يمليه عليّ. لا موعد الجلسة ولا جدول اعمالها».