كشفت صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية عن أن إسرائيل اقترضت 6 مليارات دولار في الأسابيع الأخيرة من خلال صفقات تم التفاوض عليها بشكل خاص للمساعدة في تمويل حربها على قطاع غزة. فتل أبيب اضطرت إلى دفع تكاليف اقتراض مرتفعة بشكل غير عادي لإنجاز تلك الصفقات.
ونقلت الصحيفة عن مستثمرين قولهم إن السندات الأخيرة تم إصدارها تحت ما يسمى بالاكتتابات الخاصة، وهي عملية لا يتم من خلالها عرض الأوراق المالية في السوق العامة، بل يتم بيعها بدلا من ذلك لمستثمرين مختارين والسبب في ذلك قد يكون جمع الأموال للمجهود الحربي بسرعة ويمكن أن يكون علامة على مدى القلق الذي أصبح عليه بعض المستثمرين بشأن شراء ديون إسرائيل.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن تل أبيب تتوقع استمرار الهجوم البري على قطاع غزة 3 أشهر، وأرجعوا ذلك إلى أن استمراره مدة أطول سيؤدي لانهيار الاقتصاد الإسرائيلي، نظرا للعدد الكبير من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم للمشاركة في الحرب على القطاع. بشكل كبير.
إذن لا شك أن الاقتصاد الإسرائيلي في أسوأ أيامه وأخطرها على الإطلاق منذ نشوء الكيان، فتصنيف المؤسسات المالية الدولية الائتمانية هز إسرائيل لأول مرة. قطاعاتها الاقتصادية تكاد تتوقف عن العمل وشركاتها الكبرى تعتزم اغلاق ابوابها ونسبة البطالة قد تصل الى مستويات قياسية بسبب استدعاء الاحتياط والاخلاءات في الجبهة الجنوبيةومستعمرات الشمال وازدياد أعباء الدفع للعمال فضلا عن زيادة التعويضات.
ورغم ما قاله وزير المال الإسرائيلي بأن كيانه يعيش وضعا ماليا سيئا لا مثيل له، وما أفادت به كبريات البيوت الاستشارية الاقتصادية الإسرائيلية حيث قالت ما حرفيته “أنتم لا تستوعبون حجم الأزمة التي يواجهها الاقتصاد، ويجب أن تتصرفوا بطريقة مختلفة كليا ويجب اتخاذ إجراءات لمنع وقوع أضرار كبيرة على الفور”، من الواضح بحسب الخبير الاقتصادي محمد موسى، أن القيادة السياسية غارقة في الكارثة العسكرية ولا وقت لديها للالتفات نحو الاقتصاد الذي سيشكل أحد أبرز العوامل الضاغطة على تل أبيب لوقف عدوانها على غزة نظرا لارتداداته السلبية على حياة الإسرائيليين وخطورة ما يجري على منطقة الشرق الأوسط.
وعليه، فإن المؤشرات، بحسب موسى، تؤكد أن الاقتصاد الإسرائيلي قد ينكمش بنسبة 11% على أساس سنوي (في الأشهر تشرين الأول وتشرين الثاني وكانون الاول من العام الجاري)، علما أن إسرائيل سجلت آخر مرة هذا الانكماش خلال عام 2020. وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى أن وزارة الخزانة حددت رقم 200 مليار شيكل كتقدير متفائل أي قرابة 50 مليار، لكن بحسب الدكتور موسى، فإن الرقم المتوقع قد يفوق الرقم المحدد من وزارة المالية إذا لم تنته الحرب على غزة. علما أن بنك إسرائيل (البنك المركزي) ضخ ما يصل إلى 45 مليار دولار في محاولة لتحقيق استقرار في سعر الصرف، لكن أرقام أسعار الصرف اظهرت، وفق موسى، إخفاقا في تقديرات البنك،
وتعد تقديرات البنك من بين أكثر التقديرات تشاؤما من محللي وول ستريت حتى الآن. ومع ذلك، باع المستثمرون بالفعل الأصول الإسرائيلية بكثافة. وانخفض مؤشر الأسهم الرئيسي في تل أبيب بنسبة 11% بالعملة المحلية منذ 7 تشرين الأول الجاري، في حين انخفض الشيكل إلى أدنى مستوياته منذ عام 2012.لا شك ان المخاطر الاقتصادية تتصاعد، ويكفي الإشارة، كما يقول موسى، الى تخفيض وكالة التصنيف الائتماني الدولية “ستاندرد آند بورز” توقعاتها لتصنيف إسرائيل من “مستقر” إلى “سلبي، علما أن “اس اند بي” أشارت إلى أن نمو اقتصاد إسرائيل قد يبلغ نسبة 0.5 بالمئة فقط خلال العام المقبل مقارنة مع 2.8 في توقعات سابقة، بسبب تبعات الحرب على قطاع غزة، وتشير إلى نمو الاقتصاد بنسبة 1.5 بالمئة، بما يقل عن تقديرات بنك إسرائيل الصادرة في 23 تشرين أول الماضي. وعليه فإن الاقتصاد الإسرائيلي، كما يقول موسى، ذاهب نحو الانكماش في العام المقبل مع انحفاض الطلب وتراجع البيئة الاستثمارية التي تكاد تصبح معدومة مع الخضة التي ضربت الأسهم والسندات وادت إلى تراجعها، فقد تراجع مؤشر (تاسي 35) لبورصة تل أبيب بنسبة 15%، في حين تراجعت أسهم بعض الشركات فيه لأكثر من 35%، مقارنة مع إغلاق قبيل الحرب. وفقدت القيمة السوقية للبورصة ما قيمته 25 مليار دولار، قبل أن تقلص خسائرها في تعاملات الأسبوع الماضي إلى 15 مليار، مع ظهور مؤشرات أولية عن الخسائر المتوقعة للحرب.وكما يرى موسى فإن إنفاق الحكومة الإسرائيلية ل250 مليون دولار يوميًا على الحرب هو أعلى بكثيرٍ من تكلفة ميزانية العمليات السابقة، مثل عملية الجرف الصامد في عام 2014، أو عدوان تموز 2006، مع الإشارة إلى أن السلطات الإسرائيلية وفق تصريحات مسؤوليها تعزو ذلك إلى التعبئة المكثفة للجيش الإسرائيلي، والأضرار الكبيرة الناجمة عن عملية “طوفان الاقصى”، والتي أدّت إلى إجلاء نحو 125 ألف شخص من مستوطني غلاف غزة والمستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية.