كتبت دوللي بشعلاني في” الديار”: يقول مصدر عسكري مطّلع بأنّ هناك مفهوما خاطئا لما تعنيه عبارة “قواعد الإشتباك”. وفي الواقع هي كلمة عسكرية تُستعمل عند الإشتباك داخل الجيش الواحد، وليس مع جيش آخر أو مع عدو.
وعمّن يتحدّث عن تغيير قواعد الإشتباك بعد أيّام من بدء المعركة على الجبهة الجنوبية، ويعتبره خرقاً للقرار 1701، يوضح المصدر بأنّ القرار 1701 لا ينصّ على “قواعد إشتباك” إنّما يدعو “الى وقف الأعمال الحربية”، ويأتي هنا ما يُقال عن “قواعد إشتباك” من مخيّلات البعض. فما حصل أنّ حزب الله و”اسرائيل” من خلال الممارسة ومن خلال التصاريح الإعلامية للطرفين بعد حرب تمّوز- آب من العام 2006، أصبح الوضع العسكري بينهما “قتيل مقابل قتيل”، ضرب سيارة يٌقابلها ضرب سيّارة، تقصفون مناطق خالية نقصف مناطق خالية. وهذا يُسمّى “تفاهم غير مُعلن بين الطرفين”، وليس “قواعد إشتباك”. اليوم هذا ما يحصل، وما نشهده عند الجبهة الجنوبية، طائرة مقابل مسيّرة، مسيّرة مفخخّة مقابل استهداف مراكز،ـ وقد أصبح الوضع ساخناً ووصل الى مكان خطير جدّاً، غير أنّ ضرب معمل للألمنيوم وما قابله من قصف عكّا، على سبيل المثال، لا يُمكن اعتباره خرقاً للإتفاق غير المُعلن بين الطرفين.
من هنا، كشف المصدر العسكري أنّ ثمّة إحتمالين فقط يكسران ما يُسمّى “قواعد الإشتباك” وهما: إمّا إجتياح “إسرائيلي” للبنان، أو عندما نرى حزب الله يقوم بمحاولة في الداخل. ولكن بما أنّنا حتى الآن، لم نرَ حزب الله يدخل الى الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ولا جيش العدو الإسرائيلي ينزع الشريط أو يُدمّر الحائط الحدودي ويدخل الى جنوب لبنان، فلا يُمكننا الحديث عن “أي تغيير في قواعد الإشتباك”، أو عن “تجاوز لقواعد الإشتباك”. فعند حصول أحد هذين الأمرين، لا سمح الله، نذهب الى مكان آخر.
في المقابل، اعتبرت أوساط ديبلوماسية أنّه لا ذكر لـ “قواعد الإشتباك” في القرار الأممي 1701 الصادر في 12 آب 2006، فهو يدعو الى وقف تام للأعمال القتالية، ويستند بصورة خاصة الى وقف حزب الله الفوري لجميع الهجمات، ووقف “إسرائيل” الفوري لجميع العمليات العسكرية الهجومية. كما يُعيد تأييده الشديد للإحترام التام للخط الازرق.
كذلك فإنّ “قواعد الإشتباك” المذكورة في تفاهم نيسان (الصادر في 26 نيسان 1996) لا علاقة لها بما يحصل اليوم على الجبهة الجنوبية اللبنانية، بل هي “قواعد إشتباك” جديدة جرى الإتفاق عليها ضمناً، بعد وقف الأعمال القتالية بعد حرب تمّوز.
وأضافت الاوساط أنّه “في العادة، “قواعد الإشتباك” هي أوامر تصدر للقطاعات العسكرية على الشكل الآتي: يمنع منعاً باتاً إطلاق النار على أي موقع عسكري تابع للقوات المسلحة للعدو في المدن والقرى، إلا إذا بدأ ذلك الموقع بإطلاق النيران. وفي هذه الحالة ينحصر إطلاق النار على الموقع العسكري ذاته الذي بدأ بإطلاق النار. والحالة الثانية هي إذا حاولت أية قوة عسكرية تابعة لقوات العدو إقتحام أي موقع، عندئذ يجب ردها بالقوة. وينحصر إطلاق النار بالفئة التي تحاول القوة العسكرية إقتحام مواقعها. والسؤال الطبيعي هنا هو: متى يبدأ الموقع المعادي بإطلاق النار؟ ومتى وأين يريد التقدم بقوة عسكرية؟ وهل يسمح للقوة المسلحة الحليفة بدء إطلاق النار أو المباشرة بالتقدم نحو مواقع العدو؟
وتابعت الأوساط نفسها إنّ “قواعد الإشتباك” تطبق في حال وافق الطرفان المعنيان على وقف المعارك الحربية، ولكن من دون الدخول في هدنة معلنة. إذ أن التوصل إلى إتفاق هدنة هو مرحلة أولى من وقف العمليات العسكرية، تستتبعها إفتراضياً مفاوضات للتوصل إلى معاهدة سلام تنهي حالة الحرب. وما حصل في العام 2006، هو وقف للعمليات الحربية وصدر إثرها القرار 1701. ولكن لم تحصل بعدها إتفاقية هدنة أو مفاوضات، بل إستمرت الإجتماعات في رأس الناقورة للجنة الهدنة المنبثقة عن حرب العام 1948.
من هنا، أشارت الاوساط الى أنّه لا يمكن القول بأن ما يحصل في الجنوب اليوم هو “تطبيق لقواعد الإشتباك” إلا في حالة واحدة: أن الطرفين، أي المقاومة والعدو الإسرائيلي، يعتبران أنهما ما زالا في حالة حرب، وأنهما قد قررا بعد طوفان الآقصى أن يعودا إلى العمليات الحربية ذات الوتيرة المنخفضة، ولكن ضمن “قواعد الإشتباك” المشار إليها. لكن الطرفين في الواقع قد تجاوزا قواعد الإشتباك التقليدية، وبدآ بتطبيق عمليات عسكرية محدودة ولكن من غير ضوابط، كما برفع وتيرة العمليات الحربية وتوسيعها.
وبرأي الأوساط الديبلوماسية أنّ ما يجري الآن في الجنوب هو عمليات حربية هي أكثر من”تطبيق قواعد إشتباك” وأقل من “حرب إستنزاف” مفتوحة ومعلنة. ولكنها من الخطورة بمكان، بأنها يمكن أن تفلت من أيدي المقاتلين في الميدان، بحيث تتطور إلى حرب إستنزاف حقيقية لا يمكن وقفها إلا بتدخل دولي.