منذ بدء الهدنة في قطاع غزة يوم الجمعة الماضي وتمديدها يومين إضافيين أمس الأول حتى نهاية اليوم الخميس، تنفّس جنوب لبنان الصعداء قليلاً بعدما بات يعيشُ حالياً نوعاً من الإستقرار والهدوء الحذر إثر المناوشات العسكريّة التي حصلت.
مقابل الهدوء القائم، بات يُحكى فعلياً عن خسائر محسوسة، سواء على جبهة إسرائيل أم على جبهة “حزب الله”.. فماذا كشفتهُ الساحة الميدانية؟ وهل من قواعد جديدة فرضت نفسها بعد الإشتباكات الأخيرة؟تبدّلات وإنكشاف أمنيّما يبدو هو أنّ منطقة الحدود الجنوبية لم تخضع بعد لإعلان قواعد إشتباك جديدة بين “حزب الله” وإسرائيل، والدليل على ذلك هو أن المعارك التي توقفت تزامناً مع هدنة غزة لم تنتهِ بإتفاق جديد في الجنوب يُكرّس وضعاً جديداً، كان من الممكن أن يكون على حساب الحزب الذي وبشكلٍ أو بآخر، مُني بخسائر ميدانية سيكون عليه ترميمها تباعاً من الناحية العسكرية بشكل أساسي.ما يتبين هو أنّه ،في الوضع القائم حالياً، تمت المحافظة على قواعد الإشتباك السابقة القائمة بين لبنان وإسرائيل من حرب تموز عام 2006 مع إضفاء نوعٍ من التبديلات الجوهرية التي أسست لقواعد جديدة جعلت نطاق إستهدافات حزب الله أكثر وأوسع، أي أن المواقع الإسرائيلية التي تم قصفها باتت مُنخرطة في المعادلة في حال حصول أي إشتباكات أخرى لاحقاً. وعليه، فإنه وفي حال حصول أي توتر لاحق، فإن سيناريو الإستهدافات الأخيرة قد يتكرر، ما يعني تطبيق التبديلات الجوهرية التي لم تكن قائمة خلال السنوات الماضية.طيلة فترة التوتر، كان الجيش الإسرائيلي يتحدث عن إستهدافات لمواقع خاصة بـ”حزب الله” في الجنوب. صحيحٌ أن هذا الأمر لم يجرِ توثيقه بشكلٍ واضح، لكن الحزب فعلياً تعرّض لضرباتٍ متتالية ساهمت في التأثير على قدرة تحركه في بعض المناطق الحدودية.فعلياً، قد لا تكون الأضرار التي مُني الحزب ظاهرية، فمواقعه ليست مكشوفة أو معروفة بشكلٍ واضح، لكنّ انكشاف بعض التكيتكات أو الخسائر البشرية كانت عاملاً كبيراً جداً في التأثير على مسار المعركة. ميدانياً، الحزبُ تضرر كثيراً حينما كانت عناصره تتعرض لإستهدافات، ورغم سعيه لتقليل هذا الأمر، إلا أنه لم ينجَح في ضبط الأمر تماماً وتحديداً عقب حادثة قصف منزل كان يتحصن فيه عدد من قادته في بلدة بيت ياحون. المسألة هذه تكشف أن بنية الحزب الأمنية تزعزعت وهذه خسارة يجب الإنتباه إليها، وكما يتبين هو أن إسرائيل تسعى إلى تكثيف حركتها ضد الحزب انطلاقاً من هذا الباب.في المقابل، فإن ما حصل على صعيد الثكنات الإسرائيلية كان لافتاً جداً أيضاً، لاسيما على صعيد الخسائر التقنية والمادية واللوجستية والأمنية. هنا، يمكن الحديث عن أضرارٍ ظاهرة على صعيد كاميرات المراقبة وأجهزة الرادار والرصد، وهذا الأمر بات يفرض على إسرائيل معالجته فوراً لأن إنكشاف المنطقة الأمنية عند الحدود سيساهم في زيادة الضغط عليها طالما أن هناك مخاوف من حصول عمليات إقتحام.عملياً، فإن التحدي على صعيد إعادة تأهيل تلك الأنظمة كبيرٌ جداً، فهو يتطلب تحركات عسكرية، كما أنه يحتاجُ إلى هدوء. وطالما أن الأمور ليست مضبوطة تماماً، فإن الجيش الإسرائيلي سيبقى غير قادرٍ عن سد أي ثغرات أمنية على الحدود حتى الآن.إذاً، ما يظهر هو أنّ الحرب بين الطرفين تبدلت من ميدانية إلى أمنية، وهنا بيت القصيد. الحزب من جهة يسعى لإختراق إسرائيل أمنياً والعكس صحيح، ولكن، إلى متى سيستمر ذلك المشهد؟ هل كشفت هذه الحرب عن ثغرات لم تكن محسوبة؟ وما هي أُطر المعالجة؟ في الواقع، كل الأمور واردة وحتماً يجب إنتظار ما قد يحصل خلال الأيام المقبلة لاسيما في حال إنهارت هُدنة غزة في أي لحظة…