كتبت “سكاي نيوز عربية”: رغم أن الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ حددا خلال لقائهما في 15 تشرين الثاني 2023 أطراً لتحسين العلاقات في عدة قضايا خلافية، إلا أن كسر الفتور في العلاقات الأميركية- الصينية، لن يشمل بأي شكل من الأشكال، “ملف الرقائق” الذي تعتبره أميركا موضوعاً غير قابل للنقاش.
فبعد أيام قليلة على انتهاء القمة الأميركية الصينية، خرجت وزيرة التجارة الأميركية جينا رايموندو لتؤكد أن بلادها لا يمكن أن تسمح للصين بالحصول على الرقائق المتطورة التي تشغّل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مشددة على ضرورة حرمان بكين من أحدث التقنيات الأميركية في هذا المجال، مهما كانت نتائج ذلك على الشركات الأميركية.وقالت رايموندو إن تواصل أميركا مع الصين، يمكن أن يساعد في استقرار العلاقات بين البلدين، ولكن عندما يتعلق الأمر بمسائل الأمن القومي، فهذا خط أحمر، معتبرة موضوع الرقائق أكبر تهديد تواجهه أميركا على الإطلاق.وتصاعدت حدة “العداء” بين أميركا والصين بكل ما يتعلّق بصناعة الرقائق منذ قرابة الـ 14 شهراً، في وقت تسيطر أميركا فيه على أكثر من 95 بالمئة من السوق العالمي للرقائق الإلكترونية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر شركات مثل إنتل وAMD وإنفيديا اللاتي تمكنت من سحق جميع أشكال المنافسة في هذه الصناعة. وترى واشنطن أن منع شركاتها من بيع الصين أنواعا محددة من الرقائق، سيكون كفيلاً بتحطيم آمال بكين في التحول إلى قوة تكنولوجية عظمى، وخاصة فيما يتعلق بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.والتصعيد الأميركي في “حرب الرقائق”، قابله تصعيد صيني مضاد، حيث عمدت بكين في شهر تموز 2023، إلى تقييد صادرات معدنيْ الجاليوم والجرمانيوم من البلاد، وهما معدنان أساسيان في صناعة الرقائق والإلكترونيات، لتقوم الصين مجدداً في شهر تشرين الأول 2023 بنقل “معركة الرقائق” إلى مستويات محتدمة جديدة، من خلال تقييد صادرات “الغرافيت” من البلاد، وهي مادة موصلة للحرارة والكهرباء، ومفيدة في صناعة المنتجات الإلكترونية، مثل الأقطاب الكهربائية والبطاريات.ويرى مراقبون أن “حرب الرقائق” التي تخاض بين أميركا والصين، هي حرب لا مكان فيها للصلح، فأميركا ستفعل المستحيل لمنع وصول أو تطوير الصين لرقائق متقدمة خاصة بها، خصوصاً بعد ظهور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي قد تستفيد بكين منها، لتحقيق تقدم من الناحية العسكرية، وهو ما تعتبره أميركا خطاً أحمر لا يمكن السماح بحصوله، وهذا الأمر عبّرت عنه صراحة وزيرة التجارة الأميركية جينا رايموندو عندما قالت منذ أيام، إن حماية الأمن القومي لأميركا، أهم من الإيرادات قصيرة الأجل، داعية الشركات الأميركية المنتجة للرقائق، إلى التكيّف مع هذه الأولويات التي تعني أنها ستخسر إيرادات.من جهته، أشار خبير التحول الرقمي ربيع سعادة، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن “حرب الرقائق” التي تدور أحداثها بين الصين وأميركا، هي حرب استراتيجية بالنسبة للفريقين، فالرقائق الإلكترونية “فائقة القوة” التي تصممها الشركات الأميركية، والتي تدعم تقنية الذكاء الاصطناعي تعد حالياً العصب الحيوي لصناعات متعددة، وهذا ما حوّلها إلى سلعة استراتيجية بالنسبة للإدارة الأميركية، فأي دولة تتطلع لأن تلعب دورا حاسما في مستقبل العالم، عليها أن تسيطر على هذه السلعة، التي هي عبارة عن قطعة معدنية صغيرة مصنوعة من السيليكون.وشرح سعادة أن أهمية الرقائق الإلكترونية كسلعة تتعلق بالأمن القومي الأميركي، مرده إلى ارتباط الرقائق بكل ركن من أركان الاقتصاد الحديث، فاليوم لا توجد صناعة أساسية في العالم، لا تدخل في عملية تشغيلها هذه الشرائح، التي من دونها لا تعمل الأجهزة الكهربائية والهواتف المحمولة والسيارات والطائرات وشبكات الاتصالات، ومراكز البيانات والحواسيب وأجهزة الإنتاج في المعامل، وأنظمة التسلح والطائرات والصواريخ والأسلحة النووية، ولذلك فإنه إذا أرادت أميركا المحافظة على تفوقها في جميع هذه المجالات، وخصوصاً في الناحية العسكرية، سيكون عليها حرمان الصين من حق الوصول إلى الرقائق الإلكترونية “فائقة القوة”، لتسمح لها فقط بالحصول على الرقائق القديمة، ما يجعل الصين متأخرة تكنولوجياً بنحو 8 إلى 10 سنوات عن أميركا.واعتبر سعادة أنه مع ظهور الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، وهو الذكاء الاصطناعي التوليدي، باتت أميركا تخشى أكثر من إمكانية وصول الرقائق المتطورة إلى أيدي الصين، بغية استخدامها في تطوير قدراتها العسكرية، بناءً على ما يوفره الذكاء الاصطناعي، من قدرات تعرّض الأمن القومي الأميركي لخطر كبير، ولذلك رأينا أن هناك تشديداً أميركياً للقيود في أكتوبر 2023 بما يحد من قدرة الصين على تحقيق اختراقات في هذا المجال، لافتاً إلى أن أميركا قررت التضحية بالأرباح الهائلة، التي من الممكن أن تحققها شركاتها من مبيعات الرقائق إلى الصين، التي تُعدّ مشتريا كبيرا لكل ما يتعلق بمنتجات أشباه الموصلات.كما كشف أن أحدث الأرقام تظهر أن الصين استوردت 355.9 مليار قطعة من منتجات أشباه الموصلات، خلال أول 9 أشهر من 2023، بقيمة إجمالية وصلت إلى 252.9 مليار دولار أميركي، ما يدل على الحجم الهائل للإيرادات التي ستخسرها الشركات الأميركية من الصين في المستقبل، والذي سيكون ثمناً لتفوق أميركا في مختلف المجالات، فالصين لا تستطيع فعل الكثير دون الاعتماد على الرقائق الأميركية المتطورة.