“يا هلا ومرحب”.. لم يكن مُستغربًا أن تتحوّل هذه العبارة التي وردت على لسان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، في معرض السخرية من التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة بشن حرب واسعة على لبنان، إلى “ترند” في فترة قياسية، بل أن تتصدّر منصّات التواصل الاجتماعي، وتستقطب تفاعلاً كبيرًا، دفع الإعلام الحربي في الحزب إلى توظيفها من خلال مقاطع فيديو ترويجية في سياق حربه النفسيّة مع العدو.
وجاءت هذه العبارة في سياق حديث الأمين العام لـ”حزب الله” عن التهديدات الإسرائيلية بالألوية التي وصفها بـ”التعبانة والمرعوبة والمهزومة”، ليقلّل من شأن التهديدات، باعتبار أنّ “من يجب أن يخشى ويخاف من الحرب هو إسرائيل وحكومة العدو ومستوطنوه، وليس لبنان”، مستذكرًا تجربة حرب تموز التي “تحطّم فيها الجيش الإسرائيلي أمام مقاومينا، حين كان معافى وبكامل عتاده”، في مقارنة مع تخبّطه اليوم على وقع الحرب في غزة.
لم يكتفِ السيد نصر الله ذلك، بل أردف قائلاً “إننا جاهزون للحرب ولا نخافها”، متوعّدًا مرّة أخرى بالقتال “بلا أسقف وبلا ضوابط وبلا حدود”، بل ذهب أبعد من ذلك، فأقحم الأميركي “الذي يدّعي الخوف على لبنان” على الخط، بدعوته إلى “الخوف على أداته في المنطقة وقاعدته العسكرية”، في إشارة إلى إسرائيل، فهل يُفهَم ممّا تقدّم أنّ “حزب الله” يريد فعلاً أن تتوسّع الحرب في المرحلة المقبلة؟ وما المغزى ممّا أدلى به؟!
الحرب النفسية “في الذروة”
يقول العارفون إنّ الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله يندرج، شأنه شأن الخطابَين السابقَين، في إطار “الحرب النفسية” المتواصلة مع العدو الإسرائيلي، بل التي وصلت إلى “ذروتها” على ما يبدو في الأيام الأخيرة، على وقع ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية على ما تصنَّف إسرائيليًا بالجبهة الشمالية، ولكن قبل ذلك على وقع التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، في إطار ما بات يُعرَف استراتيجيًا بـ”رفع الأسقف”.
بهذا المعنى، لا يُعتبَر اختيار عبارة “يا هلا ومرحب” تحديدًا محض صدفة، فضلاً عن التفاعل الواسع معها على منصّات التواصل، حيث الجمهور “الافتراضي” بشقّيه، العفويّ والمنظّم، فـ”حزب الله” أراد أن يردّ على التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة بطريقة مختلفة، موجّهًا رسائله في كلّ الاتجاهات، حتى إنّه لم يوفّر الجانب الأميركي منها حين دعاه إلى “الخوف على أداته”، الأمر الذي قرأ فيه البعض ردًا مبطنًا على ما حمله الوسيط الأميركي إلى المنطقة.
بكلام آخر، يقول العارفون إنّ ما أراد السيد نصر الله أن يقوله واضح، فإذا كان الإسرائيليون يصعّدون في الكلام في المرحلة الأخيرة، فيلوّحون بالحرب في مناسبة ومن دون مناسبة، في محاولة “ابتزاز” المقاومة، فإنّ من يجب أن “يخاف” لا ينبغي أن يكون لبنان، بل الداخل الإسرائيلي نفسه، غير الجاهز لمثل هذه الحرب، وهو العاجز حتى الآن عن “استيعاب” دروس غزة، حيث فشل الاحتلال في تحقيق أيّ من أهدافه المعلنة طيلة مئة يوم من القصف.
“اليد على الزناد”
لكن، بعيدًا عن مقتضيات “الحرب النفسية” وفنونها، التي تتصاعد معها التهديدات، وترتفع الأسقف الكلامية، ثمّة من يقول إنّ “حزب الله” قد يكون راغبًا فعلاً بأن تتوسّع رقعة الحرب، وهو ما يُستنتَج بشكل أو بآخر من الخطابات الأخيرة لأمينه العام، التي بدأت تخرج عن السقوف والضوابط الموضوعة، ولو أنّ الحزب يحرص على عدم “المبادرة” نحو هذه الحرب، وبالتالي البقاء في خانة “ردة الفعل”، المشروعة بطبيعة الحال.
ومع أنّ هناك من أصحاب هذا الرأي من يعتقد أنّ توسّع الحرب يشكّل “مصلحة” لـ”حزب الله” أكثر بكثير من إسرائيل، التي لا يناسبها الغوص في “مستنقع لبنان” في الوقت الحالي، وهي لم تخرج بعد من “مستنقع” غزة، ولو أنّ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بات يتصرّف على طريقة من “لن يخسر شيئًا”، فإنّ العارفين بأدبيّات الحزب يؤكدون أنّه لن يقع في “الفخّ”، وبالتالي “لن يُستدرَج” إلى الحرب، طالما أنّ لا سبب موجبًا لها.
يقول هؤلاء إنّ “حزب الله” كما أضحى واضحًا للعدو قبل الصديق، جاهز للحرب ومتأهّب لها، بل هو يستعدّ لها كما لو أنّها حاصلة حتمًا، اليوم قبل الغد، وهو تحديدًا ما يُفهَم من “رسائل” خطابات أمينه العام الأخيرة، من دون أن يعني ذلك وجود “رغبة فعلية” بالحرب، التي يبقى “قرارها” وفق هؤلاء، بيد إسرائيل وحدها، كما قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبالتالي فالمطلوب من الوسطاء الدوليين الضغط “حيث يجب”.
“يد حزب الله على الزناد”. لعلّها المعادلة التي يريد السيد حسن نصر الله إيصالها للجميع، وللعدو قبل الصديق، معادلة لا تقوم فقط على كون الحزب جاهزًا للحرب كما لو أنّها حاصلة اليوم، ولكن على أنّ هذه الحرب لن تكون “نزهة” للإسرائيلي، خصوصًا أنّ القتال فيها سيكون “بلا ضوابط وبلا قفازات”. لكنّ الأهم من كلّ ذلك، وفق العارفين، أنّ “مفتاح” هذه الحرب يبقى في يد العدو أولاً وأخيرًا، فهل يتلقّف المعنيّون هذه الرسالة؟!