نشر معهد “ستراتيجيكس” للدراسات الإستراتيجية ورقة بحثية تطرّق فيها إلى دور الولايات المتحدة الأميركية بين مساعي التهدئة وإحتمالات التصعيد في الشرق الأوسط.
وقال المعهد إنّ الولايات المتحدة حددت أولوياتها منذ اليوم الأول للحرب في قطاع غزة، بدعم إسرائيل عسكرياً ودبلوماسياً، ومنع تجاوز الحرب لجغرافيا غزة، وتصعيدها إقليمياً، وبحث قضية اليوم التالي بعد انتهاء الحرب من خلال توحيد الحُكم في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولفت المعهد إلى أنّ الحرب القائمة جاءت لتفرض تحديات أمام التحركات الأميركية الرامية لترسيخ التهدئة في الشرق الأوسط، وأضاف: “في فترة ابتعدت فيها واشنطن عن التدخلات العسكرية المباشرة في قضايا المنطقة وملفاتها، إلا أن الحرب أعادت الاتصال القوي للولايات المتحدة في المنطقة، ويرى معظم الخُبراء أن قرار وقف الحرب بيد واشنطن، وأن حشودها العسكرية وجولاتها الدبلوماسية هي الكابح الأول لمنع انزلاق الحرب نحو صراع إقليمي أوسع، وبذلك فإن مسارات السيطرة على الحرب واحتمالات التصعيد خلال عام 2024 مرهونة في ضوء المعطى الأمريكي ومتغيراته”.
ماذا قيل عن الساحة اللبنانية؟
يقول المعهد إنه “مع استمرار الحرب في غزة، فإن الولايات المتحدة تحافظ على مرتكزاتها الاستراتيجية الثلاث في الحرب”، وأضاف: “مع ذلك، فإنّ تعدد ساحات الحرب بين ميدانها الرئيسي في قطاع غزة، وميادينها الفرعية في الضفة الغربية ولبنان واليمن والعراق وسوريا، يفرض على واشنطن صياغة سياساتها وهندسة ردودها وفق خصوصية كل ساحة من تلك الساحات، ولا يعني ذلك بالضرورة أن ضبط التصعيد في أي منها مضمون”.
وفي إطار حديثه عن لبنان، قال المعهد إنّ الساحة اللبنانية تعد الأكثر قابلية للتصعيد، والأكثر خطورة بعد قطاع غزة، إذ تعتبر الساحة المُحددة لحالة الساحات الأخرى، فهي بوابة التهدئة والتصعيد الإقليمي، وقد حرصت الإدارة الأميركية على ردع حزب الله عن تجاوز قواعد الاشتباك، والانجرار نحو اشتباك واسع منذ الأيام الأولى للحرب.
وبحسب المعهد، فقد ظلت حاملة الطائرات (يو إس إس جيرالد آر فورد)، راسية في البحر الأبيض المتوسط لحماية إسرائيل حتى الإعلان عن عودتها في كانون الثاني 2024 إلى مينائها الأساسي في فرجينيا، ويشير ذلك إلى أن واشنطن تبين لإيران وحلفائها عدم رغبتها بمزيد من التصعيد، كما أن ما حصل يعد دلالة على انخفاض المخاطر المرتبطة بالتصعيد الإقليمي عما كانت عليه خلال الأشهر الأولى من الحرب.
مع ذلك؛ فإن الساحة اللبنانية لا تزال مُرشحة لاشتباك أوسع، حيث تُكثف إسرائيل من استهداف قيادات الفصائل الفلسطينية والقادة الميدانيين في حزب الله، ففي 2 كانون الثاني 2024، اغتالت إسرائيل نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري ومجموعة من قادة كتائب القسام في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي 8 كانون الثاني اغتالت إسرائيل وسام الطويل المسؤول في وحدة الرضوان التابعة لحزب الله، وفي 9 كانون الثاني أعلنت إسرائيل مقتل قائد منطقة جنوب لبنان في “الوحدة الجوية” لحزب الله علي حسين برجي، لكن الحزب نفى استهداف الأخير. وفي سوريا؛ قتلت إسرائيل القيادي في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي، وفي حادثة أخرى قُتل حسن عكاشة المسؤول في حماس عن إطلاق الصواريخ من الأراضي السورية، كما تتهم إيران إسرائيل بالوقوف وراء هجوم كرمان الذي وقع خلال مراسم إحياء ذكرى مقتل قاسم سليماني.
ويوم السبت الماضي، تم نسب هجوم إلى إسرائيل استهدف العاصمة السورية دمشق، حيث قتل 5 قادة من الحرس الثوري الإيراني. وفي اليوم نفسه، تم استهداف سيارة مدنية في منطقة البازورية اللبنانية، إذ تم استهداف مسؤول في حزب الله وهو علي حدرج. وأمس، قصفت إسرائيل سيارة مدنية في بلدة كفرا – جنوب لبنان، وكان المستهدف فيها أحد المسؤولين في حزب الله ويدعى فضل سليمان.
وتنظر الولايات المتحدة بقلق من تصريحات قادة إسرائيل تجاه التصعيد في لبنان، وإجراءاتها التي تستدعي رداً من حزب الله.
وكشفت تقارير عن تحذير واشنطن للحكومة الإسرائيلية عن أي “تصعيد في لبنان، وأبدت تفضيلها للحلول الدبلوماسية لتهدئة التوتر على الحدود وإحداث اختراق جدي في المفاوضات الجارية حول تنفيذ القرار 1701، إذ تُدرك الإدارة الأميركية أن تحول الاشتباك إلى حرب مماثلة للعام 2006، سيكون له تداعيات إنسانية واقتصادية وسياسية كبيرة على لبنان، وقد تُدخل البلاد في حالة انهيار. من جهة أخرى، بحسب المعهد، فإن الصراع الإقليمي مرتبط بحالة الجبهة اللبنانية، ولذلك يتبين أن الإدارة الأميركية تضغط لمنع تل أبيب من الانجرار نحو مغامرات عسكرية غير محسوبة.
وأمس الأحد، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية تقريراً قالت فيه إنّ قادة عسكريين إسرائيليين اقترحوا هدنة لمدة 48 ساعة عند الحدود مع لبنان بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية.
وأوضح أحد كبار الضباط أنه يجب تفكيك المعادلة الحالية الخطيرة والتي بموجبها يسمح “حزب الله” لنفسه بإطلاق النار مباشرة على المنازل في المستعمرات الإسرائيلية، وأردف: “العديد من الضباط يعتقدون ذلك، ويرون أنه يجب فرض واقع جديد بالقوة. مع هذا، فإنه من الضروري العمل بشكل تدريجي وبالتنسيق مع الأميركيين لتوفير فرصة فعلية لإحلال السلام على الحدود من خلال إطلاق النار على المنطقة، وفي الوقت نفسه إنشاء أساس لشرعية الهجوم من قبل إسرائيل والذي سيؤدي في النهاية إلى عودة الأمن إلى المستوطنات الشمالية”.
ويقول أحد هؤلاء الضباط، بحسب “يديعوت أحرونوت”: “لماذا ننتظر دفاعاً عن احتمال تسلل قوة رضوان؟.. لماذا نحشد القوات وننصب الكمائن؟ حزب الله هو من بادر بفتح الجبهة، وهو من يجب أن يتنبه لئلا ندخل قراه.. المعادلة يجب أن تتغير”.