وضعت الحكومة مشروع قانون يتعلق بإعادة هيكلة المصارف واوضاعها وإعادة الانتظام المالي فيما كان يجب أن يحصل ذلك في ظل الحكومات التي رافقت بداية انتفاضة 17 تشرين وتلتها، مترافقاً مع إقرار قانون ل”الكابيتال كونترول”. فإقرار مشروع القانون في حينه كان حتماً سيساهم بوقف الانهيار النقدي من جهة وحماية ودائع ومدخرات الناس من التآكل من جهة أخرى، والحفاظ على الاحتياطي الدولاري الباقي في مصرف لبنان الذي كان يقارب 34 مليار دولار يومها قبل أن ينخفض الى أقل من 27 مليار دولار بسبب الدعم الذي اعتمدته حكومة الرئيس حسان دياب ومن ثم الى حوالي 8 مليارات دولار مع نهاية العام 2023.
بعد إقرار الموازنة، أحيت الحكومة موضوع إعادة هيكلة القطاع المصرفي وبادرت الى تعميم خطتها لإعادة هيكلة المصارف وفق معايير وأسس تم الاتفاق عليها بين وزارة المال ومصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، وأخرجتها بـمشروع قانون متعلق بمعالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها.
بانتظار جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة المخصصة لمناقشة مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف واوضاعها وإعادة الانتظام المالي، فإن طرح اضفاء التعديلات على المشروع يتقدم، خاصة وأن الحكومة منفتحة على كل فكرة واقتراح يصب في الهدف المرجو من المشروع. ويحضّر بعض الوزراء مطالعات معارضة مع محاولات لتقويض بنود أساسية، لكن رئاسة الحكومة تصرّ على الإقرار لتحويل مشروع القانون الى مجلس النواب، علما أن هناك حملة كبيرة وصراعا شرسا تقوده جمعية المصارف بوجه الحكومة لعدم إقرارالمشروع مع محاولات حثيثة لتعديله وتغيير مضمونه .
اتى مشروع القانون ثمرة جهد مشترك بين الحكومة ومصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. فالبنك المركزي والهيئة الرقابية ادخلا أفكاراً تتعلق بإضفاء مزيدٍ من الشفافية والمسؤولية والمحاسبة بعد الأخذ بعين الاعتبار الاطار الأساسي لخطة التعافي الحكومية. علما أن مصرف لبنان سرعان ما تنصل من مضمون المشروع حين أبلغ حاكم المصرف المركزي بالانابة أن مصرف لبنان قد وضع فقط ملاحظات على مشروع القانون ولم يتدخل في مضمونه.
بالنسبة إلى نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي فإن مشروع القانون يهدف إلى تأمين الحماية للودائع المشروعة وتعزيز الاستقرار المالي وإعادة تفعيل القطاع المصرفي ليؤدي دورَه في تمويل القطاع الخاص والمواطن وتحفيز النمو ووضع لبنان على سكة التعافي آخذين بعين الاعتبار استدامة الدين العام وديمومة الدولة في تقديم الخدمات العامة ولكن دون إثقال كاهل المواطنين بأعباء ضريبية إضافية. فلا اقتصاد دون قطاع مصرفي ولا نمو دون قطاع خاص. كما يهدف القانون إلى الحد من المخاطر النظامية المتعلِّقة بالقطاع المصرفي كَكُلّ، وتخفيف الاعتماد على اقتصاد النقد الذي إذا استمر سيُلْحِق ضرراً كبيراً بلبنان وبعلاقاته مع المصارف المراسلة والمؤسسات المالية العالمية.
لقد أتى مشروع القانون ، بحسب الشامي، ليطور المشروع السابق وليُدْمِج ضمنه قانون “إعادة الانتظام للقطاع المصرفي”. ولذلك على الجميع العمل سوياً للإسراع بإصدار القانون لأن الوقت حان لمعالجة وضع المودعين وهم لا ذنب لهم في ما وصلت إليه الحال وقد عانوا الأمرَّيْن واضطروا إلى سحب ودائعهم بنسب اقتطاع كبيرة حتى وقت قريب تبعاً لتعاميم مصرف لبنان خلال السنوات الاربع الماضية.
في المقابل يتحدث الاستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي بلال علامة عن أن المشروع يتضمن مواد عدة تعتبرها جمعية المصارف مواد مجحفة بحق المصارف وكذلك يتضمن المشروع إصرارا على فرز الودائع بين مؤهلة وغير مؤهلة بعد إعتماد معايير غير منطقية للفرز. ولن يجد أصحاب بعض المصارف صعوبة لإكتشاف أن المشروع وُضع لتحميل المصارف بمفردها وزر أزمة السيولة وفقدان ودائع الناس وانهيار النقد الوطني، وليس بعيدا يشير علامة الى أن هناك اعتراضا على البند المتعلق بإنشاء “الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة” على خلفية أن “تعيين أعضائها لمدة 5 سنوات يتم بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بعد اقتراح 3 أسماء أو 5 من قبل الحاكم ونوابه لكل من الخبير القانوني والخبير المالي/المصرفي والخبير الاقتصادي”، ما يعيد قليلاً شبهة المحاصصة ويسمح بوصول من أمكن “ايصاله” الى قطاع حسّاس وحيوي كالقطاع المصرفي، ويضع في يد مصرف لبنان المسؤولية الكاملة عن إدارة هذا الملف، وهو ما قد يكون مصدر عدم ثقة للمصارف المتخوفة من فوضى وتدخلات لا تخدم الأهداف المبتغاة.
رغم أن المشروع لا يتضمن أي إشارة الى التقييد المالي المطلوب وليس مترابطاً مع مشروع “الكابيتال كونترول” إلا أن كتيرين ينتظرون،بحسب علامة، إن يتضمن المشروع تحديدا لسعر الدولار المصرفي وقد تم تسريب سعر 25 الف ليرة كسعر يعتمد للفترة المقبلة .
وكانت جمعية المصارف قد استحصلت على قرار من مجلس شورى الدولة بإبطال قرار مجلس الوزراء رقم 3 تاريخ 20 أيار 2022 والقاضي بـ “إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف تخفيضاً للعجز في رأسمال مصرف لبنان دولارا شهرياً ورغم ذلك يبدو ان جمعية المصارف ستتابع مقاضاة الدولة بعد الإنتقال من مرحلة ربط النزاع الى مرحلة الدعوى القضائية لإلزام الدولة بالإعتراف بمسؤوليتها عن الخسائر المحققة والتي تقدر ب 70 مليار دولار تقريباً.
في ظل كل ما ذكر تبدو مطالب صندوق النقد الدولي واضحة في بعض ما يتضمنه المشروع وواضحة لجهة تحميل المسؤوليات حسبما ذكرت في المشروع.
والسؤال الأكثر أهمية هل تستطيع الحكومة إقرار مشروع القانون بمفعول رجعي قد يطيح ويتنافض مع كل ما فعلته التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان خلال العامين الماضيين؟
وسط ما تقدم، فإن نائب رئيس الحكومة لن يقبل بما تقوم به بعض الجهات المعنية بالمشروع من محاولات تنصلية، وبحسب مصادر مطلعة، فإن أي جلسة لمجلس النواب لدرس هذا المشروع يفترض أن تعقد بحضور الشامي وممثلين عن البنك المركزي ولجنة الرقابة على المصارف.