Advertisement
وفي رأي كثيرين ممن تعاطوا في السابق ويتعاطون اليوم بالملف الرئاسي فإن ظرف انتخاب رئيس للجمهورية لم ينضج بعد، خصوصًا أن التعقيدات الإقليمية بفعل ارتدادات الحرب على غزة على الداخل اللبناني لا تسمح بأن يتوافق اللبنانيون، ولو بالحد الأدنى، على خيار ثالث للرئاسة الأولى في لبنان، على رغم الجهود التي تبذلها “اللجنة الخماسية”، وعلى رغم التباين في وجهات النظر بين أعضائها بالنسبة إلى الخيارات المتاحة والممكنة، وذلك بعد الورقة الفرنسية حيال الوضع في جنوب لبنان وشمال إسرائيل.
ولا يخفي هؤلاء ما تناهى إليهم من تمكّن أعضاء “اللجنة الخماسية” من الحصول على ضمانات من “حزب الله” بالتحديد عبر عدد من الوسطاء بفصل ما يجري في الجنوب عن الملف الرئاسي، وهذا ما بدا واضحًا في الرسائل السياسية، التي تضمّنتها الكلمة الأخيرة لأمينه العام السيد حسن نصرالله، الذي أكد في الوقت ذاته أن “الحزب” لن يستخدم الميدان للضغط في الاستحقاق الرئاسي. وهذا ما اعتبرته اللجنة مؤشرًا يمكن البناء عليه في الوقت المناسب، أي حين تنضج التسوية الإقليمية، والتي من دونها لا يمكن تحقيق أي تقدّم في إيصال أي مرشح إلى قصر بعبدا عبر أقصر الطرق.
ولكن نجاح هذه المساعي لن يوصل إلى أي نتيجة عملية إن لم تتمكّن “اللجنة الخماسية”، مجتمعة أو في شكل فردي، من الضغط على الأفرقاء اللبنانيين لكي ينزلوا عن أشجار الشروط والشروط المضادة، وأن يقبلوا بـ “الخيار الثالث”، الذي لا يزال غير واضح المعالم حتى بين أعضاء “الخماسية”.
على القوى المسيحية أن تقتنع بأنها وحدها غير قادرة على انتاج رئيس “صنع في لبنان”، ولكن على الآخرين الاعتراف بأنه من المستحيل الاتيان برئيس لا يحظى برضى الأكثرية المسيحية. فأي رئيس لا يتمتع بموافقة كل من الكتل المسيحية، وهي “لبنان القوي” و”الجمهورية القوية”،و”كتلة الكتائب اللبنانية” لن يستطيع أن يحكم، وستبقى سلطته محصورة بقصر بعبدا. وهذا ما يجب أن يفهمه “الثنائي الشيعي” المطَالب بأن يتخّلى عن أي مرشح لا توافق عليه الأكثرية المسيحية، وبمباركة من مرجعيتهم الروحية الممثلة ببكركي وبما ترمز إليه.
ولكن على الأكثرية المسيحية أن تقتنع بأن أي رئيس لا يكون منسجمًا بخلفيته السياسية مع نظرة “الثنائي الشيعي” وهواجسه لن يستطيع أن ينجح في تحقيق أي انجاز حتى ولو تمكّنت هذه الأكثرية من تأمين الأصوات التي تسمح لمرشحها بالفوز الرئاسي في حال سلمنا جدلًا أن نواب “الثنائي الشيعي” وحلفاءه سيؤمنون نصاب الجلسات المتتالية، وهو أمر غير وارد في قاموس الرئيس نبيه بري، الذي يحرص على تأمين أفضل ظروف النجاح لرئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية.
ولكن هل يكفي بأن ترضى الأكثرية المسيحية وبأن يكون “الثنائي الشيعي” مطمئنًا، وماذا عن المكونين السني والدرزي في المعادلة الرئاسية، وهل يمكن انتاج أي تسوية لا يكون فيها دور فاعل لهذين المكونين الأساسيين في التركيبة المجتمعية اللبنانية؟