وكتبت سابين عويس في” النهار”:على أهمية هذه الخطوة، فإن الشرط الذي أرفقه الملحق الاقتصادي في السفارة الفرنسية في بيروت ومنطقتي الشرق الأوسط والأدنى فرنسوا سبورير في لقاء إعلامي قبل أيام، للإعلان عن التحضيرات الجارية للإعلان الرسمي، يشكل إحدى العقبات الاساسية التي يعجز لبنان عن تخطّيها أو إسقاطها من أي مشروع تمويلي يمكن أن يحظى به لإعادة إطلاق عجلته الاقتصادية والاستثمارية. فقد كان المسؤول الفرنسي شديد الوضوح عندما أعلن، بعد تقديم كل منافع وإيجابيات المشروع الخاص بإعادة إعمار المرفأ، أن فرنسا مستعدة للتمويل، ولكن لا يمكنها أن تقوم بذلك من دون اتفاق مع صندوق النقد الدولي. واللافت أن سبورير أكد أن هذا الشرط ينطبق أيضاً على البنك الدولي الذي أبدى بدوره استعداده لتمويل المشروع، علماً بأن التمويل المطلوب يجب أن يكون من شركات أجنبية، بعدما أكد المسؤول الفرنسي صعوبة أو تعذر تأمين التمويل المحلي.
حمل الكلام الفرنسي رسالة إنذار واضحة للجانب اللبناني الذي يرفض حتى الآن الاستماع الى النصائح والإنذارات الدولية المتكررة ليس من فرنسا فحسب، بل من كل الدول العربية والغربية، حيال أهمية وضرورة إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد كشرط أساسي لأي مساعدة أو دعم مالي خارجي. وأهمية هذه الرسالة بأنها تعكس بوضوح انعدام الثقة العربية والدولية بلبنان وبسلطاته، ما يدفع الخارج إلى المطالبة بختم الثقة للصندوق على أي تمويل أو مساعدة ستخصّص للبلد أو لأي مشروع فيه.
قد يكون الفرنسيون الجهة الخارجية الوحيدة التي لا تزال تبدي اهتماماً بالسوق اللبنانية، من منطلق مصالح الشركات الفرنسية فيه، رغم صغر حجمه، علماً بأن هذا الاهتمام كان قد تراجع في شكل لافت في الآونة الأخيرة ولا سيما بعد فشل كل المبادرات الفرنسية الساعية إلى لعب دور في إرساء حل سياسي لأزمة انتخاب رئيس الجمهورية، أو للوضع في الجنوب، وتلافي الانزلاق نحو الحرب الموسعة. وكانت السلطات اللبنانية قد تبلغت في وقت سابق رغبة الشركات الفرنسية في الانسحاب. وتجلى ذلك في ما تردد عن رغبة شركة توتال أيضاً في الانسحاب من مشروع التنقيب عن النفط. لكن الفرنسيين الذين كانوا سيعلنون هذا الموقف في الإعلان الرسمي لمخطط بناء المرفأ الأسبوع المقبل، عدلوا عن ذلك في ظل إلحاح السلطات اللبنانية على البقاء والاستمرار. حتى إن رئيس حكومة تصريف الأعمال كان قد طلب من رئيس الشركة قبل فترة، الاستعداد لبدء الاستكشاف في بلوكات جديدة (٨ و١٠).
يطرح الفرنسيون اليوم أن يُموَّل مشروع بناء المرفأ من إيراداته إن كان الاتفاق مع صندوق النقد متعذراً أو بعيد المنال، وهذا يشير إلى الواقع بأن لا اتفاق قريباً. فرغم استمرار التشاور بين الفريق اللبناني وممثلي الصندوق، لا يقارب هذا التشاور مسألة الدخول في برنامج، ما دام لبنان لم يلتزم إنجاز الإجراءات المسبقة التي كان وقع عليها في الاتفاق الاولي. فالإجراءات الإصلاحية المطلوبة لم تنفذ، ولا مؤشرات جدية على إمكان تنفيذها في المدى المنظور.
وليس لدى المجتمعين الدولي والعربي سوى الضغط على اللبنانيين، للقيام بالإجراءات اللازمة لكسب ثقتهما، وإن لم يؤدّ هذا الضغط حتى الآن إلى أي نتيجة. هذه هي حال الفرنسيين اليوم، وهكذا كانت ولا تزال حال دول الغرب والخليج والمؤسسات الدولية، وهكذا ستبقى!