لماذا تطرح حالياً اقتراحات دستورية كانت حصلت المناداة بها في مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية بدءاً من عام 1975، ومنها المقترحات الفيدرالية أو اللامركزية أو إعادة التذكير ببرنامج الحركة الوطنية؟ وهل سبّب عدم تطبيق اتفاق الطائف تفاقم الهواجس السابقة للمكونات اللبنانية؟
يقول رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق والخبير الدستوري القاضي غالب غانم لـ”النهار” إن “الصيغة اللبنانية وصلت للقواسم المشتركة بين المكونات اللبنانية بدءاً من صيغة 1943 ثم اتفاق الطائف الذي شكّل مجموعة توازنات من الناحية السياسية والاجتماعية التي كانت كفيلة لو أنها استثمرت وطبّقت في إبعاد لبنان عن الطروحات الموجودة اليوم والمتعلقة في الانقلاب على الدستور والنظام. لا مانع من تعديل الدستور لكن لا بد أن ينطلق أي تطوير من مندرجات الدستور. لو أن القانون الدستوريّ نفّذ في الشكل السليم لكانت كلّ المكوّنات اللبنانية اجتمعت حول نظام الحكم. لكن، إن القفزة في المجهول من أجل تطوير النظام حالياً لن تؤدي إلى ما يريده اللبنانيون. إنّ تطبيق الطائف شمولاً في إلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس للشيوخ واضطلاع الحكومات بدورها سيسهم في التصدي للهواجس الحالية لدى اللبنانيين”.
وفق انطباعات غالب غانم، “لا بدّ أي تطوير أن يأتي على أساس نصّ اتفاق الطائف الذي حافظ على التوازنات اللبنانية فيما لا يعتبر لبنان بلداً طائفياً إنما يراعي الدين وسط نظامٍ برلماني يأخذ في الاعتبار الانتماءات التي يتكوّن منها النسيج اللبناني مع ضرورة أن يركّز أي تطوير على التوازنات. ومن الضروري، تطبيق اتفاق الطائف قبل أي تطوير لأن تنفيذ مندرجات الاتفاق يسهم في معرفة الحسنات والسيئات. وطالما أن لبنان يعيش ضمن ساحة في الصراعات الإقليمية والعالمية، لا بد من التريث في موضوع تطوير الدستور اللبناني”.
ويستنتج أن “المرحلة ليست مناسبة حالياً للبحث في تطوير الصيغة اللبنانية في ظلّ التطرف. وإذا كانت الطروحات القديمة موجودة بين مشروعين متقابلين إلا أن الصيغة الدستورية وسطية بين كل المكونات اللبنانية، ومن الضروري أخذ الميزات اللبنانية في الاعتبار وانتقاء اللحظة المناسبة تطويراً للدستور مع أهمية تنفيذ مندرجاته بانتظار الأفضل على أن تكون الدولة قادرة على تطبيق صلاحياتها”.