على هامش وساطة هوكشتاين المترنحة، وإخفاق “الخماسية”، بات من شبه المؤكد أن المبادرات الدولية تجاه لبنان إلى تراجع، مع التركيز الأميركي على مفاوضات الهدنة في غزة واقتناعه بأن لا إمكانية لفصلها عن جبهة الجنوب التي تحتاج إلى ترتيبات أمنية تجنباً لتوسع الحرب وتحولها إلى مواجهات إقليمية. وهذا الوضع المتوتر يدفع المنطقة كلها إلى الانزلاق نحو الفوضى، رغم ما يحكى عن محادثات جانبية ومفاوضات غير معلنة بين الولايات والمتحدة وإيران على أكثر من خط لتسوية الملفات العالقة التي باتت مرتبطة في شكل رئيسي بحرب غزة.
ما بات محسوماً أقله إلى أمد غير منظور، أن المبادرات السابقة لتسوية الوضع اللبناني باتت في مرتبة خلفية، ومنها وفق ما يقول مصدر ديبلوماسي متابع انتهاء المبادرة الفرنسية السابقة مع عدم عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لاستئناف لقاءاته في بيروت، أو التحدث باسم مجموعة “الخماسية” التي توقفت عن عقد اجتماعات حول لبنان، لا في الدوحة ولا في باريس. ويتزامن ذلك مع توجه فرنسي جديد للاهتمام بالوضع في الجنوب باعتباره يشكل مدخلاً لتسوية الاستحقاقات اللبنانية. ويكشف المصدر الديبلوماسي أن الفرنسيين لم يقفلوا البحث في الورقة التي قدموها إلى لبنان، بل هي قابلة للتطوير بالاتفاق مع الأميركيين لوضع خريطة طريق لتطبيق القرار 1701 والتوصل إلى حل دبلوماسي للحدود بين لبنان وإسرائيل. وعلى الرغم من رفض “حزب الله” الورقة الفرنسية واعتباره أنها منحازة لإسرائيل، فإن باريس وفق المصدر الديبلوماسي لا تزال تراهن على دور لها انطلاقاً من مشاركتها في قوات اليونيفل، وترى أن الولايات المتحدة ليست قادرة وحدها على بلورة حل للوضع المتفجر على الحدود، بل أن فرنسا لديها علاقات مع كل الاطراف ويمكنها إيجاد حل متوازن خصوصاً وانها أبلغت الحكومة الإسرائيلية بأن تهديداتها بالحرب على لبنان لن تعيد المستوطنين الى منازلهم في الشمال، بل أن التفاوض هو الذي يؤدي لتنفيذ القرار الدولي ونشر الجيش اللبناني في الجنوب بما يضمن انسحاباً لنخبة مقاتلي “حزب الله” من منطقة جنوب الليطاني.
وعلى وقع التطورات والانسداد يبدو أن مسار التسوية لا يزال بعيداً، وسط استمرار الخطر من احتمال توسع الحرب الإسرائيلية، مع إبلاغ بنيامين نتنياهو وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بقرار اجتياح رفح واحتمال توسعها في لبنان. فيما “حزب الله” يتعامل مع الامر على قاعدة المعادلات السابقة، ولهذا السبب يعتبر أن التهديدات الإسرائيلية لا تُجدي، وأن الميدان هو الذي يقرر مسار المعركة.
لكن الحزب وهو يدير معركته حوّل لبنان إلى ساحة مفتوحة وغرفة عمليات لمحور المقاومة وقاعدة انطلاق لكل جبهات المنطقة، خصوصاً بعد الاجتماع الذي عقده في بيروت مع الحوثيين وحماس والجهاد الإسلامي، واللقاء بين الأمين العام السيد حسن نصرالله وقائد فيلق القدس إسماعيل قآني، وهو ما يؤشر إلى احتمالات توسع المواجهات وانسداد نافذة التفاوض على ترتيبات في الجنوب، وارتفاع الخطر من الانزلاق إلى مزيد من العمليات وإبقاء لبنان في حالة استنزاف مديدة.